حَسبُنا كِتابُ اللّهِ!

ولاء قاسم العبادي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 147

كلمة قيلت للردّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رزيّة الخميس المعروفة بهدف التفريق بين القرآن الكريم والعترة الطاهرة وإقصائهم، أعقبها نزاع بين أصحابه، أنهاه (صلى الله عليه وآله) بقوله غاضبًا: "قوموا عنّي..."(1)، وقد أسفرت عن إضلال جمع كبير من المسلمين، فضلًا عن تفرّقهم إلى فرق ومذاهب شتّى. وقد تشبّث بها بعض المخالفين متّخذين منها أساسًا في إطلاق سيل من الشبهات بين صفوف المسلمين؛ لتسفر عن إضلالِ بعضهم، وترسيخ التفرقة بينهم، أهمّها: • لم يذكر القرآن الكريم اسم الإمام عليّ (عليه السلام) وصيًّا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعليه فعليّ (عليه السلام) ليس وصيّه! • ولم يذكر اسم الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف)، وعليه فلا صحّة للقضيّة المهدوية! وللردّ عليها نقول: إنّ السؤال الخاطئ لا يصحّ الجواب عنه؛ فللدين الإسلامي مصادر التزم بها المسلمون على اختلاف فِرقهم، يقع في مقدّمتها القرآن الكريم والسنّة النبوّية المطهّرة، ولتقريب توضيح دور هذين المصدرين في الدين الإسلامي نضربُ القوانين الوضعية مثالًا؛ فدستورُ الدولة هو القانون الأسمى لها، ويشتمل على مجموعة من القوانين لكن على نحو الإجمال، تاركًا التفصيل والبيان للقوانين العادية، وكذلك القرآن الكريم هو القانون الأسمى في الإسلام، يشتملُ على كلّ شيء على نحو الإجمال، تاركًا التفصيل والبيان للسنّة النبوّية المطهّرة، قال الله (عزّ وجلّ): (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل44). وقد صرّح الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّ مَن يخلفه هو الإمام عليّ (عليه السلام)، إذ رُوي قوله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): "أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي"(2)، ومعلوم أنّ تلك المنزلة هي الوصاية. وذكر (صلّى الله عليه وآله) اسم خاتم الأوصياء الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) في أحاديث كثيرة، منها ما رُوي عنه: "القائم من وُلدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي..."(3). ثمّ إنّ القرآن الكريم ذكرهما (عليهما السلام) بأوصافهما، والذكر بالأوصاف أبلغ، فقد نصّ على ولاية الإمام عليّ (عليه السلام) بقوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )(المائدة: 55)، "وقد نزلت في عليّ -عليه السلام- حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه كأن كان مرجًا ـ أي غير مُستعصٍ ـ في خنصره، فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد به الصلاة..."(4). ونصّ القرآن الكريم على الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بقوله تعالى: (بَقِيَّتُ اللّه خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(هود:86)، فعن عمر بن زاهر قال: قال رجل لجعفر بن محمّد (عليهما السلام): نسلّم على القائم بإمرة المؤمنين؟ قال: لا، ذلك اسم سمّى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام)، لا يُسمّى به أحد قبله ولا بعده إلّا كافر، قال: فكيف نسلّم عليه؟ قال: تقول: السلام عليكَ يا بقيّة الله، قال: ثمّ قرأ جعفر: (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(5). ولو تصفّحنا التاريخ الإسلامي لاعتصر قلوبنا الألم، وأرواحنا الأسى؛ لما سال من دماء زكيّة، ولما أُزهِقت من نفوس طاهرة أبيّة من العترة الهادية المهدية وأتباعهم، فجبابرة طغاة يقدمون على ذلك لا شكّ في إقدامهم على تحريف القرآن الكريم فيما لو تضمّن ذكر أسماء الأئمّة (عليهم السلام)، ومن ثمّ فلعلّ عدم ذكر أسمائهم (عليهم السلام) من أهمّ الأسباب المادّية التي حفظت القرآن الكريم من التحريف. ..................................... (1) صحيح البخاري: ج10، ص126. (2) صحيح الترمذي: ج5، ص640. (3) معجم أحاديث الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف): ج1، ص225. (4) نقل بتصرف عن الكشّاف: ج1، ص٦٨٢. (5) شرح أصول الكافي: ج7، ص48.