الإِعلامُ المُضَلِّلُ والحربُ النَّاعِمَةُ.. وجهانِ لِعُملَةٍ واحِدَةٍ
عُرِّف الإعلام على أنّه عملية نقل المعلومة من طرف إلى آخر بواسطة الوسائل المختلفة, ويؤدّي دورًا مؤثرًا في توجيه المجتمعات نحو الإيجاب أو السلب.
ويُعدّ وسيلة فعّالة في المجتمعات المختلفة، إذ يستمدّ مكانته ممّا يحدث من تغيير في المواقف والمعرفة، وما يحدثه من تأثير في البالغين والنشء، ويحقّق ضبطًا اجتماعيًا وصياغةً جديدةً للواقع؛ لأنّه جزء منه.
وبات من المؤكّد مدى تأثير وسائل الإعلام والاتصال في عصر الفضائيات والإنترنت في صناعة الرأي العامّ، وفي التحكّم في ديناميكية المجتمعات، وتنميط سلوك أفرادها، وهو أمر متحقّق لمَن يملك وسيلة إعلامية ببرامجها ومضمونها، وقدرتها على التأثير في سير الأحداث.
ومن المعروف أنّ لبعض وسائل الإعلام أهدافًا معيّنةً وأجندات تسعى إلى تطبيقها عبر برامجها, وأخطر الأهداف التكتيكية للحرب الناعمة هو العمل المتواصل على ضرب نقاط القوّة الدينية والمعنوية والقيم في المجتمع، وذلك بالنيل من قادة المجتمع ورموزه بدون وجه حقّ، أو بطرح نماذج تحاول تقمّص دور القادة بلا استحقاق، أو كفاءة، أو لياقة فقهية وأصولية وأخلاقية، وتسقيط طلبة العلوم الدينية عبر لفت الأنظار إلى مُرتزقة يقلّدون دورهم بعيدًا عن معايير العلم والدين.
ضرب المفاهيم الفكرية المستقيمة والحقّة عن طريق التشكيك والطعن والاستهزاء، والمحاربة وحظر تداول مصطلحاتها رقميًا في كلّ مواقع التواصل الاجتماعي، فضلًا عن حظر مصطلحات خاصّة وحسّاسة, والعمل على إدارة عمليات تأجيج الخلافات الفكرية والثقافية، وترويجها إعلاميًا، وإلهاء معظم شرائح المجتمع بها عن مهامّهم الحقيقية في الحياة، واستهداف القيم الحقّة والأخلاق المستقيمة، والأعراف القويمة بواسطة المُحاكاة السلبية للثقافة الغربية، وتقديمها فنّيًا ورقميًا على دفعات تدريجية، تجعل المُتلقّي والمُتابع يستسهل هذه الأساليب والمُحاكاة بدون شعور بالمسؤولية الكبيرة والخطيرة للآثار الوخيمة، وقد وقع من هذا القدر الكبير في أوساط المجتمع والأسرة.
وقد أسفرت الظواهر السلبية عن نفسها، وأخرجت ما في أحشائها في السنوات الأخيرة، وهزّت استقرار مجتمعات العالم؛ لكن على الرغم من ذلك تمخّضت عن ثورة الإعلام الهائلة فائدة عظمى تقارب الضرر الناتج عن الإعلام السلبي، ألا وهي الوعي في فصول الإعلام المختلفة لتعليم المجتمعات، وتحفيز أفرادها على النهوض بواقعهم، ورفع معدّل الثقافة العامّة، والثقافة الاجتماعية، وما يصاحبها من قيم المواطنة وتقرير المصير، والمساواة في الحقوق والواجبات، وتسهيل الحصول على المعرفة الخاصّة والعامّة، وتنميط الوعي والأذواق والمعايير الدينية والأخلاقية الحقّة التي تسعى إلى بناء الإنسان، وبناء جيل واعٍ بما يحدث من حوله؛ ليرفع راية الإصلاح الآن وفي المستقبل.