رياض الزهراء العدد 181 أنوار قرآنية
(وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ) (1)
يمتاز الدين الإسلامي بأنّ نظامه لا يقتصر على العبادات، بل يمتدّ إلى أبعد من ذلك، فهو دين عالمي يحوي جميع التعاليم التي من شأنها تنظيم علاقات البشر على مستوى الأسرة والمجتمع، ومن أبرز هذه العلاقات برّ الوالدين، فمن أعظم ما أوصى الله به الإحسان إليهما، فقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) (الأحقاف: 15)، وقد ذكر الإحسان إليهما بعد الأمر بتوحيده وعبادته، فقال (عزّ وجلّ): (وَاعْبُدُوا اللّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (النساء: ٣٦). فبرّهما ممّا يُتقرّب به إلى الله (عزّ وجلّ)، فعن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: "يا هشام، أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله بعد المعرفة به، الصلاة وبرّ الوالدين، وترك الحسد والعُجب والفخر"(2). ونجد الإمام السجّاد (عليه السلام) قد أعطى للأمّة درسًا أخلاقيًا عن برّ الوالدين عبر دعائه المرويّ في الصحيفة السجّادية، وتعرّض إلى حقوق الوالدين والآداب التي ينبغي مراعاتها في رسالة الحقوق، فقال (عليه السلام): "فَحَقُّ أُمِّكَ، فَـــــــــأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتكَ حَيْثُ لا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَدًا وَأَطْعَمَتكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبها مَا لا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَدًا، وَأَنَّهَا وَقَتكَ بسَمْعِهَـــــــا وبَصَرِهَــــــا ويَدِهَــــا وَرِجْلهـــــا وَشَعْرِهَا وبَشَرِهَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَـــــا مُسْتَبشِرَةً بذَلِكَ، فَرِحَـــــــــــةً مُوَابلَةً، مُحْتَمِلَةً لِمَـــــــــا فِيهِ مَكْرُوهُهــا وأَلَمُهـــا وثِقْلُهـــا وَغَمُّهَا، حَتَّى دَفَعَتهَا عَنْكَ يَدُ الـــــــــــــقُدْرَةِ وَأَخرَجَتكَ إلَى الأَرضِ فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَــــــعَ وتجــــــــــــُوعُ هِيَ، وَتَكْسُوكَ وَتعْرَى، وَتُرْوِيكَ وَتَظْمَـــــــــأُ، وَتُظِلُّكَ وتَضْحَى، وَتُنَعِّمَـــــــكَ ببُؤْسِهَـــــــــــــــا، وَتُلَذِّذُكَ بالنَّوْمِ بأَرَقِهَا، وَكَانَ بَطْنُهَــــــا لَكَ وِعَاءً، وَحِجْرُهَـــا لَكَ حِوَاءً، وثَدْيُهَا لَكَ سِقَاءً، ونَفْسُهَـــا لَكَ وِقَــــــــــــاءً، تُبَاشِرُ حَرَّ الدُّنيَا وبَرْدِهَـــــــــــــــــــا لَكَ وَدُونَكَ، فَتَشْكُرَهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إلّا بعَونِ اللّهِ وَتَوفِيقِهِ"(3). فبرّ الوالدين من أنواع الجهاد، فقد رُوي أنّه أتى رجل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقال: إنّي رجل شاب نشيط وأحبّ الجهاد ولي والدة تكره ذلك، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): "ارجع فكن مع والدتكَ، فو الذي بعثني بالحقّ نبيًّا لَأنسها بكَ ليلةً خير من جهادكَ في سبيل الله سنة"(4). وله آثار في الدنيا، فالبارّ لا يعاني من سكرات الموت، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "مَن أحبّ أن يخفّف الله عزّ وجلّ عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولًا، وبوالديه بارًّا، فإذا كان كذلك، هوّن الله عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقر أبدًا"(5). والبارّ يبرّه أولاده، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم"(6). وهو ممّا يوسّع الرزق، ويمدّ في العمر، ويزيد المحبّة، فعن الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "مَن يضمن لي برّ الوالدين وصلة الرحم، أضمن له كثرة المال وزيادة العمر والمحبّة في العشيرة"(7). .................................. 1. سورة مريم: 19. 2. بحار الأنوار: ج٧٥، ص٣٠٦. 3. شرح رسالة الحقوق للإمام السجّاد (عليه السلام): ص545. 4. الكافي: ج ٢، ص ١٦٣. 5. بحار الأنوار: ج71، ص66. 6. المصدر السابق: ج ٦٨، ص ٢٧٠. 7. مستدرك الوسائل: ج١٥، ص ١٧٦.