رياض الزهراء العدد 181 ركائز الإيمان
"أَنْهاكَ عَنِ التَّسَرُّعِ بِالقَولِ والفِعلِ"
مثلما أنّ هناك آيات تنهى عن التسرّع والعجلة، جاءت روايات مؤكّدة على هذا النهي، ومن جهة أخرى شارحة ومفصّلة. بشرى: نتابع حوارنا مع وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الإمام الحسن (عليه السلام) قائلًا: "أنهاكَ عَنِ التَّسَرُّعِ بِالقَولِ والفِعلِ"(1)، فالإمام (عليه السلام) في وصيّته هذه ينهى عن العجلة على مستويين: القول والفعل. آمنة: هلّا أوضحتِ لي مغزى الحديث؟ بشرى: بالنسبة إلى الكلام، فالإنسان بحاجة إلى التأنّي وعدم التسرّع، وبحاجة إلى تقييد لسانه وعدم تركه حرًّا طليقًا، فلا يُصدر أيّ كلمة، ولا يخوض في أيّ حديث كان، فكلماته وقوله محلّ محاسبة وجزاء، قال الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق: 18)، فهناك مَلَكان يكتبان ويسجّلان ما يقول. ولذا على الإنسان التأنّي وعدم التسرّع في إطلاقه للكلمات، وإنّما عليه أن يرى هل هذه الكلمة مفيدة، أم لا؟ هل هناك حاجة للتفوّه بها؟ هل صدورها كعدمه؟ هل تحمل ضررًا على قائلها أو الآخرين؟ هل هي مؤذية وجارحة لمشاعر الآخرين؟ فهذه الأسئلة وأمثالها لا تكون إلّا مع التأنّي والتريّث، وهي تضع الإنسان في الطريق الصحيح. والفعل كذلك، فالإنسان بحاجة إلى التريّث حتى تتّضح لديه جوانب الفعل الذي يريد أن يقدم عليه. آمنة: إذن مساحة النهي عن التسرّع في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) واسعة، وفيها عموم لكلّ قول ولكلّ فعل. بشرى: أجل. آمنة: هناك أمر قد نُبتلى به، وهو التسرّع في تقييم الآخرين. بشرى: أجل، مثلما تقولين، وقد وعظ أمير المؤمنين (عليه السلام) أحدهم، فقال: "... يا عبد اللّه، لا تعجل في عيب أحد بذنبه، فلعلّه مغفور له، ولا تأمن على نفسكَ صغير معصية، فلعلّكَ مُعذّب عليه..."(2) فالرواية تشير إلى علّة النهي عن العجلة في عيب المخطئ المذنب، فلعلّه يرجع ويعود إلى طريق الاستقامة بالتوبة، فالعودة والتوبة واردة جدًا، ولذا لا ينبغي التسرّع، وفي المقابل على الإنسان أن يتعاهد مع نفسه إذا صدر منه ذنب أن يسارع إلى التوبة، وأن لا يتأخّر ويتوانى. آمنة: نحن اليوم في عالم صناعة الشائعات، بحيث لا نميّز في كثير من الأحيان بين الأخبار الكاذبة والصادقة، فماذا علينا أن نفعل؟ بشرى: نهت الروايات الشريفة عن التسرّع في تصديق كلّ ما يصل إلى السمع وقبوله، وسيكون من أكثر الضحايا لهذه الشائعات الإنسان العجول الذي لا يتروّى ويتأمّل فيما يسمع، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر لمّا ولّاه مصر أنّه قال: "ولا تعجلنَّ إلى تصديق ساعٍ، فإنّ الساعي غاشّ وإن تشبّه بالناصحين"(3). والقرآن الكريم أكّد على هذه المسألة أيضًا، ألا وهي عدم الانسياق وراء كلّ خبر وتصديقه من الوهلة الأولى، فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6)، فالآية ترشد إلى أنّه لا بدّ من تبيّن الخبر بالبحث والفحص؛ للوقوف على حقيقته، ومن المعلوم أنّ الفحص والبحث لا يكون في ظلّ العجلة والتسرّع، وإنّما يتوافق مع التأنّي والتريّث. آمنة: شكرًا يا عمّتي، فقد اتّضحت لي الكثير من الأمور في موضوع العجلة. ................................. (1) ميزان الحكمة: ج7، ص81. (2) بحار الأنوار: ج72، ص263. (3) المصدر السابق: 74 ص245.