رياض الزهراء العدد 181 لحياة أفضل
قَتْلُ الأَنانِيَّةِ
إنّها صخرة الأنا العملاقة، الجاثمة فوق وهدة النفس الأمّارة بالسوء، والمانعة من أن تفوح رائحة العطاء ليعبق الإحسان في الأسرة والمجتمع، وبتضخّم حجمها يصعب التعامل مع صاحبها، إذ إنّ الشخص الأناني يرى نفسه مصيبًا على الدوام، فلا يقبل النصح والإرشاد، ويجد نفسه المتفضّل على الآخرين حتى يصير فتات إحسانه دَينًا على الغير يوجب القضاء، ويستجدي الإحسان إليه عنوة، غير مكترث بالغير، حتى يصبح كالبهيمة همّها علفها، وما إن تطغى تلك الصفة على النفس حتى يتّخذ إلهه هواه، بعد أن يجعل التعصّب زاده، والكبر مشربه، والرياء ثوبه، والحسد غنيمته، فيغدو حاله مثل حال فرعون، حيث قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (النازعات:24)، وإن لم يتفوّه المتكبّر بها. إنّ وجود شخص كهذا في محيطنا يجعلنا في حرج من أمرنا، فإن اخترنا الصبر والتحمّل فليس ذلك بأفضل من خيار المواجهة، فكلاهما شائك ومرّ، والحل الأمثل في التعامل معه هو التوازن، فإنّ الأناني في حقيقته هو باحث عن حاجة في نفسه، يعتقد أنّها له بغضّ النظر عن الواقع المطابق أو المخالف؛ لهذا فإنّ الإفراط في التعاطي معه يجعله يتمادى ويطغى، والتفريط في قضاء حاجته يجعله شرسًا غضوبًا منتقمًا. وتكون الأنانية أشدّ فتكًا بمَن حولها كلّما تفاقمت، أو نالت المقرّبين كالزوجين مثلًا، ففي الوقت الذي يجب أن يكونا فيه سكنًا لبعضهما، يكون النفور والتأزّم متأجّجًا في خضمّ الحياة الزوجية، فليس بالشيء السهل أن يتفرّد أحدهما بنفسه ميلًا لذاته دون سواه، فيطلب الاهتمام من الآخر ويعزّه عنه، فإنّ الحبّ لا يدوم مع حال كهذه، فالشراكة تتطلّب التبادل، ومع فقدانه تُفقد المودّة، وتخيّم الغربة وترخي سدولها، فأيّ نور يستضيء به العيال وهم يرون الأنانية هي المعيار، ويكيلون لبعضهم بغير مكيال، فيُبخسون حبّهم وحبّ عيالهم، فلا يبلغون الإيمان، إذ إنّه لا يتحصّل إلّا بحبّ المسلم لأخيه المسلم مثلما يحبّه لنفسه، والأقربون أولى بالمعروف، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "أحببْ أخاكَ المسلم وأحببْ له ما تحبّ لنفسكَ، واكره له ما تكره لنفسكَ، إذا احتجت فسله وإذا سألكَ فأعطِه، ولا تدّخر عنه خيرًا، فإنّه لا يدّخره عنكَ، كن له ظهرًا فإنّه لكَ ظهر، إن غاب فاحفظه في غيبته، وإن شهد فزره، وأجلّه وأكرمه فإنّه منكَ وأنتَ منه، وإن كان عليكَ عاتبًا فلا تفارقه حتى تسلّ سخيمته وما في نفسه، وإذا أصابه خير فاحمد الله عليه، وإن ابتُلي فاعضده وتمحّل له"(1). فرفقًا بأنفسنا وبمَن نحبّ، ولا تغرّنا الدنيا فإنّ حبّها رأس كلّ خطيئة. .......................... (1) بحار الأنوار: ج ٧١، ص ٢٢٢.