رياض الزهراء العدد 181 لحياة أفضل
رَسَائِلُ تَربَوِيَّةٌ
التربية السليمة من أقوى وسائل الارتقاء بالإنسان من بداية عمره حتى نهايته، فالتربية تصنّف على أنّها في طليعة المقوّمات الإنسانية في الحياة العامّة، وبخاصّة في ميدان الناشئة، وما يتبع ذلك من صنع الأفكار وتشكيل النوازع الوجدانية. وما يتلقّاه الطفل في صغره يؤثّر في وجدانه بشكل مباشر أو غير مباشر، بحيث يُخزن برهة من الزمن في ذاكرته، وعندما تستدعيه الأحداث أو تداعيات المناسبات يبرز في الظاهر منسابًا من زوايا الذاكرة. ولأنّ الطفل يستجيب لما يُملى عليه ويُرشد إليه، فعقله بمنزلة الخامة القابلة للتكيّف، ويتشكّل على الصورة التي يريدها المربّي، سواء كان الوالدينِ القائمينِ على تربيته، أو غيرهما عندما يُفقد أحدهما أو كلاهما. وإن كان الأولاد في واقع الأمر موضع الاهتمام التامّ من قِبل الوالدين بحكم ما يحملانه من حبّ متأصّل في الذات، فإنّ من منطلق هذا الحبّ يجري الاهتمام بهم، لاسيّما في حقلي التربية والتعليم، فكلّ الآباء والأمّهات في الحقيقة يؤدّون مَهمّة إرشاد أولادهم، وكلّ مرشد يواجه في مَهمّته الإرشادية العديد من العقبات. في عالم التربية هناك طرق متنوّعة، إلّا أنّ من المفاهيم المغلوطة في هذا المجال هو أن يعتقد الأبوان أنّ أسلوب التربية الأمثل هو أسلوب: اسمع كلامي يا ولد!! بعض الآباء ينهال بكمّ من الكلمات التوجيهية على الأبناء؛ لتعليمهم كيف يحترمون والدتهم مثلًا، أو كيف يعتمدون على أنفسهم في ترتيب أولوياتهم، أو كيف يتفاهمون فيما بينهم بوصفهم أشقّاء أو أصدقاء. وبحسب دراسات علماء النفس فإنّ هذا الأسلوب في الحقيقة ليس بدرجة عالية من السوء، إلّا إذا أفرط في استعماله الآباء والأمّهات، وإلّا فإنّه لابدّ للوالدين عند الحديث مع أبنائهما من بيان بعض المجهولات لهم وتبويب معلوماتهم. إلّا أنّنا في مقام التربية السلوكية نحتاج إلى قاعدة تربوية، رسّخ دعائمها الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: "كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع"(١)، فالأسلوب الأرقى في التربية هو الأسلوب العملي لا اللفظي، فاحترامكِ لوالدتكِ وتبجيلها، وشكر الزوج والثناء عليه، وتصدّقكِ على الفقير وولدكِ ينظر إليكِ ويراكِ، ووفاؤكِ بوعودكِ مع أولادكِ، كلّها تؤثر أكثر من ألف نصيحة. ومن المفاهيم المغلوطة الأخرى في التربية هي الإجراءات العملية الصارمة، والإكثار من النهي الموجّه: (لا تفعل...), أو التهديد: (إياكَ أن تفعل...)، هذا النهي الصارم يجعل الأمر الذي نهيتِ عنه متركّزًا في داخل خلايا دماغ الطفل(2)، ومن ثمّ نحصل على طفل متعصّب، على عكس أسلوب الحوار والاحتواء الذي يُشعر الطفل بالأمان من العقاب مهما كان سلوكه خاطئًا. ونصل إلى قاعدة تربوية مهمّة هي الأخرى، ألا وهي: إنّ النجاة يكون في الصدق مهما كان الخطأ، والعزم على عدم العودة إلى الخطأ مرّة أخرى، وإذا تكرّر الخطأ فنجدّد العهد مع الطفل بدون عقابه؛ فأسلوب القمع والتهديد لن يثمر أبدًا، بل يولّد العناد والإصرار غير المبرّر. لا بدّ من لين الجانب مع الطفل؛ ليكون الوالدان الحضن الأول له، وصدرهما الأوسع، والصندوق الأول لأسراره، والملجأ الأمثل لكلّ مشاكله. لا تدعي طفلكِ يبحث عن آذان أخرى تُصغي إلى مشاكله، وعلّميه حسن الإنصات عندما تتحدّثين معه، ولا تسمحي له بمقاطعتكِ في أثناء الحديث أبدًا، وتعلّمي فنّ الإنصات وكيف تكونين أذنًا صاغيةً له، حينها سيشعر الطفل بأهمّيته، ولا يتردّد في المرّة الأخرى بالحديث معكِ؛ لأنّكِ أصبحتِ ملاذه الوحيد. ............................ (1) بحار الأنوار: ج ٦٧، ص ٣٠٩. (2) لاءات التربية: ص١١٣.