حُبُّ اللّهِ تَعالى وَحُبُّ كِتَابِهِ العَزِيزِ

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 497

حبلٌ لا يَترك مَن تمسّك به حتى يورده الجنان، ويوصله إلى السعادة والنعيم والرضوان، إنّه القرآن الكريم، به نفوز ونسمو، وعن طريقه نتكامل ونعلو. وكي ننال ألطاف كتاب الله سبحانه، لا بدّ من أن نطرق بابه عبر التدبّر في آياته وبيانه، فالتدبّر سفينة الوصول إلى شُطآن المعرفة، وبوّابة التحليق في سماء البصائر القرآنية المختلفة، والسراج في دياجير الظلمات، والوصفة العلاجية الناجعة لكلّ أدواء الحياة. فهنيئًا لأهل القرآن ومتدبّريه، مَن يعرفون الداء، ويشخّصون الدواء عن طريق الاستنارة بهديه والعودة إليه، الذين يحملونه منهجًا ويطبّقونه سلوكًا، ويتخلّقون بأخلاقه ويتجمّلون بمحاسنه، ويشقّون طريقهم في حياتهم بالاستضاءة بنوره. هنيئًا لمَن يُسبغون الوضوء عند لمسه، ويستعيذون بربّهم عند قراءته، ويُفرغون القلب من شواغله؛ للاستئناس بتلاوته، وسبر أغواره. هنيئًا لهم، إذ يعرضون أنفسهم وما تحويه عقولهم على مضامينه، فيرتقون الفتق ويصلحون الخلل، ويستعدّون بعد ذلك لبدء صفحة جديدة في حياتهم، مليئة بحبّ الله سبحانه، عامرة بالصالح من العمل، وهم يبتغون رضوانه (عزّ وجلّ). إنّ القرآن الكريم بالنسبة إلى المحبّ الصادق بمثابة الزادّ والراحلة، والنبراس في المسيرة والرحلة، والهادي في العاجلة والآجلة. يخاطب العبد المحبّ لله تعالى نفسَه بآياته وسُوَره، ويحرّك كلّ حرف فيه روحه ومشاعره، يشعر بأنّه المقصود دون غيره؛ لذلك يتفاعل معه بكلّ وجوده، وينطبق عليه قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): "يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ..."(1). فالمؤمن يعيش مع القرآن ويحيا به، يتدبّره ويفهمه، ويسخّر وقته في مدارسته، يحلّ حلاله ويحرّم حرامه، وترسم كلّ آية فيه طريقًا في حياته، وسبيلًا يوصله إلى مقصده وغايته، وهو في كلّ آن من آنائه يدرك ضرورة إعداد قلبه للتزوّد من فيوضاته عن طريق معرفة خالقه، وتعظيم مبدعه، والاستكانة بين يديه، وإعلان الفقر والحاجة في محضره، حتى يصل إلى الأنس بتلاوته، وعدم الاستيحاش مهما كانت الظروف إن كان بقربه، على أمل الاقتداء بسيّده وإمامه زين العابدين (عليه السلام) الذي يقول في حقّه: "لو مات مَن بين المشرق والمغرب لما استوحشتُ بعد أن يكون القرآن معي"(2). ....................................... (1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج١٠، ص ١٣٣. (2) شرح أصول الكافي: ج ١١، ص ٢١.