الدِّفَاعُ عَنِ البَقيعِ.. مَسؤُولِيَّةٌ إِنسَانِيَّةٌ
الإنسان عن طريق التاريخ يتعلّم كيف يحسّن مستوى معيشته، ويتعلّم أسس النجاح والابتعاد عن الفشل؛ لذلك قيل: مَن لا تاريخ له فلا حاضر له، ومَن لا يهتمّ بالتاريخ فلا يملك الحاضر؛ لأنّه يصبح خاويًا بلا أصل. ولأهمّية التاريخ نجد هناك عِلمًا يُسمّى بعلم الآثار، يُعنى بدراسة الماضي وتاريخ المجموعات الإنسانية السابقة، والموروث المادّي للإنسان، مَهمّته الكشف عن الآثار؛ لمعرفة ما حدث، ومَن مرّ من هنا وكيف عاش. فالآثار تزوّدنا بأخبار الأجيال السابقة وبنمط حياتهم، وتبيّن لنا ما وصلوا إليه من تطوّر في العلوم المختلفة. وبواسطة التاريخ نعرف الصالحين ومَن يجب أن نتمسّك بهم، ونعرف الضالّين ومَن يجب أن نبتعد عنهم، لكن محو الآثار هو ديدن الطغاة والجبابرة، نجدهم أجبروا الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) على الهجرة، وفرضوا عليهم القيود والتضييق وعلى أصحابهم، ومن ثمّ القضاء عليهم وقتلهم ومحو مزاراتهم. القضيّة لم تكن القضاء على المزار، إنّما المؤامرة هي القضاء على الحقّ، وإضلال الناس وإبعادهم عن سُرُج الهداية، والقضاء على القباب في البقيع كان خطّة مدروسة لمحو اسم أصحاب الحقّ وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)؛ كي لا تثير التساؤل لمَن يتشرّف للحجّ وزيارة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فهذه القباب كانت تثير الأسئلة في نفس الزائر وتدفعه للبحث عن هؤلاء؛ ليجد رأس الخيط ويصل إلى الحقيقة، لكن بعد القضاء عليها لن تكون هناك تساؤلات، وهذا من أهمّ أهداف فاجعة هدم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام). ونشاهد كذب مزاعمهم عندما تركوا بعض الآثار وقضوا على البعض الآخر، حيث إنّ هناك قبابًا ومراقد لم يتمّ تدميرها، وهذا تناقض صريح يكشف عن الحقد الدفين الذي دفع بهؤلاء لهذا العمل الشنيع. فإن كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو في جوارها علامةً على الشرك، فلماذا لم يذمّه الله (عزّ وجلّ) ورسوله (صلّى الله عليه وآله) في قضيّة أصحاب الكهف: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) (الكهف:21)، فيدلّ على الجواز. فاجعة البقيع لم يتمّ الدفاع عنها بالشكل الذي يجب، وإنّنا أمام مسؤولية عظمى، فالدفاع عن البقيع قبل أن تكون مسؤولية دينية اجتماعية هي مسؤولية إنسانية؛ لأنّ مَن يعرف طريق الحقّ يعيش بأبهى وأجمل صورة، وعلينا أن نوصل رسالة الحقّ إلى بعضنا.