رياض الزهراء العدد 181 أروقة جامعية
إِبصَارُ النُّورِ
خُلقنا فرادى وسنموت ونُبعث فرادى، كلٌّ في عالمه لاهٍ، وكلٌّ عن منافعه سائل، الجميع في سباق لا متناهٍ خلف أهدافه ومصالحه، طرقهم طويلة قد تتقاطع مع طريقكِ، تتقابلون في نقطة التقاطع تلك، تتشاركون بعض أشكال الحياة، لكنّها ليست سوى منعطفات، فواصل مؤقّتة، أمّا الطريق فموارب ومستمرّ، والجميع يريد أن يقول لكِ: وداعًا الآن، يتوجّب عليّ إكمال طريقي، ربّما سنلتقي لاحقًا. هكذا هو الأمر في أبسط حالاته، سعادة مؤقّتة، وبهجة لها مهلة معلومة، فنحن كلّنا لسنا سوى منعطف طريق لن يطول المكوث عندنا، مثلما أنّنا أنفسنا لن نطيل البقاء في موقع محدّد، فكلّ شخص منّا له مداه المختلف، أُفقه الواسع، عالمه البنفسجي المغلق، ومهما التقينا بأناس رائعين، وتشاركنا معهم أيامًا لن تُمحى من ذاكرتنا، وكان لهم بصمات في حياتنا، إلّا أنّنا لا نستطيع اجتياز الكثير من مصاعب الحياة إلّا بمفردنا، تلك اللحظات التي نشعر فيها أنّ الكون كلّه ملقىً على عاتقنا، وأنّنا نحتاج إلى قوّةٍ نقوم بتجميعها بفضل الله (عزّ وجلّ)، ثم بفضل جهودنا نحن، تلك الجهود التي نستحثّها من أعماقنا السحيقة، من كلّ خليّة في جسدنا. طاقةٌ نحن مَن يقدر على الإتيان بها فقط، والدخول في حالة إنذار، فإمّا أن نخطو خطوة واسعة لنستمرّ في هذه الحياة بكلّ ما تبقّى فينا من حياة، أو أن نحتضر ونموت ونحن على قيدها! لحظات سقوطنا هذه، نحن فقط مَن يقرّر كيفية النهوض منها، ربّما كلام أشخاص يهتمّون لأمرنا فعلًا سوف يساعدنا، وربّما يمدّون لنا السلّم لنرتقي ونسمو، لكن ذلك لن يحدث ما لم نستحثّ في أنفسنا رغبة التسلّق، لن نستطيع أن نمدّ أيدينا إلى أيّ شكل من أشكال الإنقاذ ما لم نؤمن بذواتنا، وبأنّ لأنفسنا علينا حقّ السموّ بها إلى مقام لائق، لنكافح ونواصل السير قدمًا، ونزيل عن دروبنا كلّ الأحراش والأعشاب الضارّة التي تحجب عنّا إبصار النور. النور المختبئ خلف الحواجز التي رضينا بوجودها، وسمحنا لها بالاستقرار في جادّة النجاح التي نحتاج أن نسير عليها، الخطوة الأولى تبدأ منّا وفينا، من الثقة التامّة بخالق رحيم قد هيّأ لنا سبل الخير، وترك لنا حرية الاختيار، اختيار السموّ والرفعة والانتصار في معارك الحياة، خلق لنا نور الشمس، وعلّمنا أنّ شروقها لا ينتظر النائمين.