(...وَأَنفُسَنَا...)
قال المأمون يومًا للرضا (عليه السلام): أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) يدلّ عليها القرآن، فقال الرضا (عليه السلام): فضيلةٌ في المباهلة، قال الله جل جلاله: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (1)، ...ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكان نفسه بحكم الله عزّ وجلّ(2). كثيرةٌ هي فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) التي دلَّ عليها القرآن الكريم، بيدَ أنَّ أكبرها كونه نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ وقد علّل الإمام الرضا (عليه السلام) ذلك قائلًا: "وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله (تعالى) أجلّ من رسولِ الله (صلّى الله عليه وآله) وأفضل، فوجب أنْ لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله بحكم الله (عزّ وجلّ)"(3)، وقد أجمع المُفسّرون على أنّ (وأَنْفُسَنا) إشارة إلى عليّ (عليه السلام)(4)، وليس المقصود بأنّه نفس الرسول (صلّى الله عليه وآله) بالمعنى الحقيقي، فيتعيّن أن يكون المعنى المجازي هو المراد، فيكون (عليه السلام) مساويًا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في جميع مقاماته ومزاياه، إلّا ما خرج بالدليل الصريح، وقد خرج مقام النبوّة بقوله (صلّى الله عليه وآله): "أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي"(5). فإذا ثبت ذلك ثبت أنّه الأفضل مطلقًا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومن ثمّ فهو الأولى بمنصب الخلافة من بعده؛ للحكم العقلي بقُبح تقدّم المفضول على الفاضل، وبذا تكون آية المباهلة من أدلّ الأدلّة على أنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) هو الأولى بخلافة رسول الله (صلّى الله عليه وآله). من هُنا تنبّه البعض إلى خطورة هذه الفضيلة، فحاولوا انتزاعها منه (عليه السلام) حسدًا وحقدًا؛ فتارةً يدّعون قَصْرَ كلمة (وأنفسنا) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأخرى يدّعون شموله (عليه السلام) بكلمة (وأبناءنا)، وقد ردّ الإمام الرضا (عليه السلام) الادّعاء الأول عندما ورد على لسان المأمون بقوله: "ليس يصحّ ما ذكرتَ، وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعيًا لغيره كما أنّ الآمرَ آمرٌ لغيره، ولا يصحّ أن يكون داعيًا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرًا لها في الحقيقة، وإذا لم يدعُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المباهلة رجلًا إلّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله (سبحانه) في كتابه، وجعل حكمه ذلك في تنزيله، فقال المأمون: إذا وردَ الجواب سقط السؤال"(6). وأمّا الادّعاء الثاني فهو مردود أيضًا؛ إذ لو لم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) مصداقًا لـ(وأنفسنا)، فمَن تُرى يكون مصداقًا لها مع ما تقدّم من عدم صحّة انطباقها على الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟! ........................................... (1) آل عمران: 61. (2) بحار الأنوار: ج ٣٥، ص٢٥٨. (3) المصدر السابق. (4) دلائل الصدق لنهج الحقّ: ج4، ص399. (5) الكافي: ج8، ص107. (6) رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار: ج2، ص383.