الحَجُّ إِعلامٌ جَماهِيرِيٌّ
الحمد لله على تمام النعمة وإكمال الدين، حيث ارتضى لنا الإسلام دينًا، وجعل له أركانًا يرتكز عليها، وفريضة الحجّ منها، الذي جعله الله للناس قيامًا، فيأتون من كلّ فجّ عميق لتلبية دعوة الباري (عزّ وجلّ)، فتتنزّل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحفّهم الملائكة، ويذكرهم الله تعالى فيمَن عنده.
لفريضة الحجّ فوائد جمّة، منها دوره في تعميق أواصر المجتمع، وتحطيم الفوارق السارية في المجتمعات الطبقية، عبر ارتداء الحجّاج للثياب البيضاء لتكون بمثابة الزيّ الموحّد، واجتماعهم في مكان واحد من دون فرق بين غنيّ وفقير، وأبيض وأسود، ورئيس ومرؤوس، فلا فضل لأحدهم على الآخر إلّا بالتقوى.
الحجّ مؤتمر عالمي سنوي، مقدّس عند المسلمين، يتكرّر في كلّ عام بالمناسك والكيفية والوقت نفسه، تلتقي فيه الشعوب لتتعارف وتتآخى، وتقف في بيت الله العتيق وقفة واحدة في وقت واحد، لا يقتصر الحجّ على بقعة جغرافية معيّنة، بل يمتدّ إلى كلّ بقاع العالم الإسلامي، فهو ليس عبادة فردية يؤدّيها المسلم ويعود إلى وطنه، بل اجتماع يعبّر عن الولاء، ويعلّم السخاء والبذل للآخرين، ويرسّخ العقيدة.
اغتنم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فرصة تجمّع المسلمين في الحجّ للإعلان عن وصيّه على الملأ، وهو إعلان يهمّ مستقبل الأمة، ويحدّد مصيرها.
في يوم شديد الحرارة وقف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على مرتفع من الأرض، ورفع يد الإمام عليّ (عليه السلام) عاليًا، وخاطبهم بأنّ مَن يوالي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فليوالِ عليًا (عليه السلام)، فجرت الأحداث مثلما ذكرتها المصادر:
"...نُودي بالصلاة، فصلّى بأصحابه ركعتين، ثم أقبل بوجهه إليهم، فقال لهم: "إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّي ميّت وأنّكم ميّتون، وكأنّي قد دُعيتُ فأجبتُ، وأنّي مسؤول عمّا أُرسلتُ به إليكم، وعمّا خلّفتُ فيكم من كتاب الله وحجّته، وأنّكم مسؤولون، فما أنتم قائلون لربّكم؟ قالوا: نقول: قد بلّغتَ ونصحتَ وجاهدتَ، فجزاكَ الله عنّا أفضل الجزاء، ثم قال لهم: ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله إليكم، وأنّ الجنّة حقّ؟ وأنّ النار حقّ؟ وأنّ البعث بعد الموت حقّ؟ فقالوا: نشهد بذلك، قال: اللهمّ اشهد على ما يقولون، ألا وإنّي أشهدكم أنّي أشهد أنّ الله مولاي، وأنا مولى كلّ مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرّون لي بذلك وتشهدون لي به؟ فقالوا: نعم نشهد لكَ بذلك، فقال: ألا مَن كنتُ مولاه فإنّ عليًا مولاه"، ثم أخذ بيد عليّ (عليه السلام)، فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما، ثم قال: "اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، ألا وإنّي فرطكم وأنتم واردون عَلَيّ الحوض، حوضي غدًا وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه أقداح من فضّة عدد نجوم السماء، ألا وإنّي سائلكم غدًا: ماذا صنعتم فيما أشهدتُ الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم عليّ حوضي، وماذا صنعتم بالثقلينِ من بعدي؟ فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني"(1).
يا ترى بماذا ستجيب الأمة في ذلك الوقت؟ وهل سيمرّ موسم الحجّ على المسلمين في كلّ عام بدون أن يستذكروا واقعة الغدير؟
.......................................................
1- الخصال: ج1, ص74.
رئيس التحرير