رياض الزهراء العدد 183 ركائز الإيمان
"حاسِبُوا أنْفُسَكُم قَبلَ أنْ تُحاسَبُوا..."
دأب الناس على محاسبة بعضهم البعض في كلّ صغيرة وكبيرة، وبخاصّة الكَسَبة وأهل السوق من التجّار؛ فالشريك يحاسب شريكه، والسيّد يحاسب عامله، وغير ذلك؛ ليعرفوا الوارد والصادر، والربح والخسارة. فالمحاسبة أمر محمود ومطلوب؛ لكيلا يتكبّد الإنسان ما لا تُحمد عقباه من الخسائر. وإذا كانت المحاسبة في بعض جوانبها أمرًا مستحسنًا، فمحاسبة الإنسان نفسه وهي الأعزّ لديه أولى وأجدر. وقد ورد الحثّ على محاسبة النفس في القرآن الكريم، وأحاديث أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وأنّ الجدير بالمؤمن الذي يريد الارتقاء بنفسه نحو الكمال أن يحاسب نفسه: قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ... (الحشر: 18)، فالآية فيها أمر للمؤمنين بتقوى الله، وبأمر آخر وهو النظر في الأعمال التي قدّموها ليوم الحساب؛ أهي صالحة حتى يُرجى بها ثواب الله؟ أم طالحة حتى يخشى عقاب الله، ويتداركها بالتوبة والإنابة. ومن المهمّ أن تكون المحاسبة همًّا من هموم الإنسان التي يسعى إلى تحقيقها: فعن الإمام السجّاد (عليه السلام) أنّه قال: "ابنَ آدمَ، إنّكَ لا تَزالُ بخَيرٍ ما كانَ لكَ واعِظٌ مِن نَفْسِكَ، وما كانَتِ المُحاسَبَةُ مِن هَمِّكَ..."(1). وقد حثّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على محاسبة النفس فقال: "حاسِبوا أنْفُسَكُم قَبلَ أنْ تُحاسَبوا..."(2)، فلا بدّ لكلّ شخص من أن يجعل لنفسه وقتًا يختلي فيه مع نفسه بعيدًا عن الآخرين، ويقوم بالاسترسال في أفكاره وما قام به من أعمال، وعلى وفق ذلك يقوم بتقييمها ومعرفة نقاط الضعف فيها، ومن ثم يصحّحها. وقد كانت هناك وصايا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخاصّة للمقرّبين منه كأبي ذرّ: "يا أبا ذرّ، حاسِبْ نَفْسَكَ قَبلَ أنْ تُحاسَبَ، فإنَّهُ أهْوَنُ لِحِسابِكَ غَدًا، وزِنْ نَفْسَكَ قَبلَ أنْ تُوزَنَ، وتَجَهَّزْ للعَرْضِ الأكْبَرِ يَومَ تُعْرَضُ لا يَخْفى على اللّهِ خافِيَةٌ"(3). فالرواية فيها عدّة وصايا وإن كانت موجّهة لأبي ذرّ، لكنّها من باب (إيّاكَ أعني...)؛ فعلى الإنسان السعي للعمل بها، وهي: 1 _ النظر في ما صدر عن النفس من أعمال؛ لكي يعرف الخير والشرّ منها. 2 _ الموازنة بين واقع ما وصلت إليه النفس من المستوى الآن، وما ينبغي أن تصل إليه؛ كي يعرف المرء مدى ما هو عليه من النقص. يتبع... ....................................... (1) ميزان الحكمة: ج3، ص80. (2) المصدر السابق. (3) المصدر السابق: ص81.