مَصرُوفُ الجَيْبِ ..مَا رَأيُ أَولِياءِ الأُمُورِ بِهِ؟ ومَاذا يَقولُ الأَبناءُ عَنهُ؟
قد يتّخذ الآباء مصروف الجيب وسيلةً للتعاطف مع أبنائهم، وقد يكون الحرمان منه وسيلةً مجدية في التربية، ويمكن أن يصبح قيمةً تجسّد معاني الخير والعطاء، وقد يكون خطوةً نحو الادّخار تؤثر في المجتمع وأفراده. كشفت بعض الدراسات التي أُجريت في عدد من الدول بشأن إنفاق الأطفال، أنّ الأطفال الألمانيين لا ينفقون إلّا جزءًا قليلًا من مصروفهم، وبذلك أصبحت ألمانيا قوّة اقتصادية لا يُستهان بها. فإذا كان مصروف الجيب يشكّل الاحتكاك الأول للطفل بعالم المال بوصفه صورةً مصغّرةً عن الراتب الشهري، فهل تبدّل مفهومه بعد المتغيّرات التي طرأت على حياتنا؟ وما رأي أولياء الأمور بذلك؟ وماذا قال الأبناء عنه؟ وهل عوّدنا أبناءنا على التصرّف بحكمة مع مصروف الجيب؟ من العراق حثّ على الادخار السيّدة نوريّة السنديّ/ معلّمة متقاعدة: تُعدّ المدرسة نظامًا اجتماعيًا يتكوّن من مجموعة من الوظائف للدمج والحراك الاجتماعي، ولعلّ أهمّ خطوات الدمج في المجتمع هي فكرة (الحانوت التعاوني)، إذ إنّ هذه الخطوة تُعنى بشكل أساسي بتعليم الأبناء تحمّل المسؤولية المالية، وأن يدركوا ما يريدونه وما يحتاجونه، وحقبة السبعينيات قد رسمت معالمها المدارس التربوية العراقية، وهي تفعيل المصروف اليومي الذي يحصل عليه الطالب أو الطالبة من والديهما، فهو يساعد على الادّخار، ممّا يعني إمكانية الاستفادة منه في شراء ما يحتاجه الأبناء في نهاية العام الدراسي، وهي خطوة تعلّمهم كيفية التعامل المالي، وأحيانًا كانت بعض الأسر تحثّ أبناءها على توفير احتياجات زملائهم المتعفّفين، وهي خطوة تُفهم الأطفال التمييز بين الحاجات الأساسية والكمالية، وتسهم أيضًا في توعيتهم للتحكّم في النفقات، وإعطاء الأولوية للأساسيات، وترسّخ فكرة التوفير. من لبنان تنظيم نسبي بدورها تبيّن لميس مروّة/ معلّمة وأمّ لطفلين: أنّها تعطي مصروفًا لولدها ذي الـ(11) عامًا؛ لأنّ جيل اليوم يختلف اختلافًا كبيرًا عن الأجيال السابقة، فالعالم أصبح قرية صغيرة، وأصبح الطفل مدركًا لكلّ شيء عن طريق رفاقه، والإعلانات التي أصبح يتابعها عند انشغاله بالألعاب الإلكترونية الحديثة. أمّا عن ابنتها ذات الأعوام الخمسة، فهي مَن تتكفّل باختيار ملابسها والإكسسوارات التي تناسبها؛ لكونها طفلة تحتاج إلى مَن يصقل شخصيتها، وينمّي ذاتها بما تحتاجه من احتياجات تميّزها عن أخيها. رأي الشباب من العراق تأسيسًا على ما تقدّم، كيف ينظر الأولاد إلى مصروف الجيب؟ في هذا السياق تقول هبة محمّد ـ حديثة عهد بالتخرّج في الجامعة: إنّها ما تزال تأخذ مصروفها من والدها؛ لأنّها إلى الآن لم تجد عملًا لتستقلّ مادّيًا، وتضيف: مصروفي يزداد شهرًا بعد الآخر نتيجةَ غلاء البضائع، ممّا يشكّل مادّةً للمساءلة من قِبل والدتي. مصروف لا يكفي في المقابل يذكر ليث يوسف/ طالب في المرحلة الإعدادية: أنّه يأخذ مصروفه الأسبوعي من والده، وينفقه بأكمله على شراء الأطعمة والمشروبات الغازيّة، لكنّه لم يعد كافيًا؛ لأنّ كلّ شيء ارتفع ثمنه. وعمّا إذا كان يقوم بادّخار شيء من مصروفه يقول: بالتأكيد لا، فأنا اضطرّ إلى أخذ المزيد من النقود من والدتي، حتى أتمكّن من إكمال الشهر، ويضيف: ما رأي أقراني بي إذا لم يكن لديّ نقود أصرفها؟ لافتًا إلى أنّ هذه مظاهر لا يمكن التخلّص منها، فالمجتمع يدفعنا إلى الإنفاق بصورة دائمة. من تونس استغراب أبدت رشا..المعموريّ/ محامية ـ استغرابها عند سؤالها فيما إذا كانت تدّخر شيئًا من مصروفها، وقالت: كنتُ أحصل على مصروف الجيب اليومي، إلّا أنّه مع قلّته كان يمثّل لي حافزًا، ويغطّي طلبات تتناسب مع ما يُمنح لي، فبطبيعة الحال لا يبخل الوالدان على أبنائهم، وهنا تظهر مصداقيتهما مع الأبناء عبر إشراكهم في مسؤوليّات الحياة. من لبنان تنمية القدرات الاقتصادية تؤكّد فاطمة هشام شريّ/ طالبة جامعية ورسّامة رقميّة: أنّ المصروف لم يعد يكفي بعد ارتفاع الأسعار، إلّا أنّه يجب علينا بوصفنا أبناءً من إيجاد البدائل التي تمكّننا بأن نقف أمام هذا الغلاء، وأن نكمل مسيرتنا العلمية والحياتية على السواء، ولعلّني استبقتُ الأحداث عبر ادّخار قسم من مصروفي اليومي، وشراء جهاز لوحي يساعدني في دراستي الجامعية، إضافةً إلى تفعيل دور الجهاز اللوحي واستثماره في رسوم قصص الأطفال لمجلة إلكترونية، حتى تمكّنتُ من أن أكون رسّامة لعدد من كتّاب قصص الأطفال، وهذا كان له مردود مادّي ومعنويّ على السواء. رأي الأطفال من العراق وعي وتوعية تختلف الطفلة يقين نعيم/ 10سنوات ـ عن أختها مرسلين التي تبلغ (15) عامًا، فهي تحبّ شراء أدوات التلوين، والفساتين، والإكسسوارات، والهدايا لنفسها ولصديقاتها، أمّا مرسلين التي تعمل مع والدتها في الإجازات الطويلة، ومتفوّقة في دراستها، فتقول: "تعلّمتُ من العمل مع والدتي نظام الادّخار الذي ينعش تجارتها، مضافًا إلى مواكبة العصر في تنشيط أيّ عمل، فليس الادّخار هو الوحيد الذي ينمّي القدرات لدى الإنسان، بل الانفتاح والاطّلاع يسهم في تنمية الشخصية، وتوجيه الادّخار إلى المسار الصحيح، من استثمار وتوفير. أمّا نور الزهراء الحاجّ/ 11عامًا ـ فتقول: لدينا في المدرسة نظام ادّخاري، ففي وسع أيّ طالبة أن تشتري أشياء متبادلة مع زميلاتها بأسعار رمزية، والمدرسة فعّلت فكرة التجارة عن طريق الفصول، وتضيف: نبيع الكتب القديمة وأشرطة الألعاب وأفلام الكارتون، إضافة إلى ذلك تقيم مدرستنا في كلّ عام سوقًا خيريةً يذهب ريعها إلى المؤسّسات الاجتماعية، ويحثّني والدي على المساهمة في عمل الخير ومساعدة المحتاجين، مع الاحتفاظ ببعض المال للحالات الطارئة، والحاجات الضرورية. بنود الميزانية ماذا يعني مصروف الجيب من وجهة نظر الخبراء الاقتصاديّين؟ د. هبة مصطفى/ محاضرة في مادّة الاقتصاد ـ ترى أنّ المصروف اليومي يُعدّ بمثابة الدرس الأول في الاقتصاد، يتعلّم منه الطفل علم الميزانية، فالأسرة تعرف المقدار الذي يحتاج إليه الطفل، وتحدّد مصروفه على ضوء ميزانيّتها، مضيفةً: لا بدّ من أن نلفت انتباه الطفل إلى ضرورة الإنفاق في حدود المعقول، ولا مانع من أن نصطحبه إلى المحالّ التجاريّة ونساعده على شراء ما يحتاج إليه، فإضافة إلى تعديل السلوك الإنفاقي للأسرة، والتخطيط للميزانية بشكل صحيح، سيكتسب الطفل السلوك الصحيح في الإنفاق. الإنفاق الباذخ مظهر من المظاهر التي تهدّد البنيان الاقتصادي للأسرة، ويزيد من الديون التي تؤدّي إلى العديد من المشكلات، فلا بدّ من أن نكون قدوة لأبنائنا في ترشيد الاستهلاك، وتغيير الثقافة الشرائيّة، ومن أجل أن تطغى ثقافة الادّخار على الاستهلاك، فلا بدّ من أن يكون مصروف الجيب بمنزلة القطار الذي يقف في كلّ محطّة، يحمل البضائع ويفرغ منها ما فيه فائدة مدروسة. مانشت: يلبّي رغبات الأبناء ويعلّمهم تحمّل المسؤولية، وقد يفسدهم مانشت: الدرهم والدينار أداة لتنمية الشخصية