رياض الزهراء العدد 183 الحشد المقدس
عَلى أَجنِحَةِ الشَّهَادَةِ
صامدون على سِكّة الروح والوتين.. وبكأس مولاي الحسين (عليه السلام) يرتشفون المعين.. طلّاب عبادة تائقون منذ نعومة أظفارهم إلى الشهادة، بل منذ الولادة.. ودماؤهم عبقت بشذا المنون، وسكبت جداول عزّ على ضفاف أجسادهم.. وعلى أطراف نواصيهم.. جُبِل الحُبُّ على القداسة.. أخي الشهيد! يا مَن اعتليتَ منابر النور وازدهت بكَ الجنان.. وخجلت من طهركَ كلّ العطور، واحتجبت من ضيائكَ أسمى البدور.. فعطر الشهادة لا يجفّ شذاه ولو بعد حين.. فهو كالختم على رمضاء الجبين، وفي محرابها توضّأ الطهر وانعقد الياسمين.. وكأنّي بكَ على أبواب الجنان تستقبل أترابكَ الأمراء متّكئين على أرائك من لؤلؤ ومرجان.. يُنثر عليهم الزهر والطيب، ويفوح منهم عبير التُقى.. لقاءَ ما عملوا في آناء الليل وأطراف النهار، وهم يستغفرون بالأسحار.. تحلّوا بمكارم الأخلاق، ورشفوها من كوثر الأئمة الأطهار، فنمت أجسادهم من فراتها، وتأدّبوا من رقراق ينابيعها.. وحلّقوا في ملكوت الحقّ المطلق، وشاهدوا منازل فردوسهم الأعلى.. ودم الشهادة روى التراب بمسكه، فنبتت منه ألف زهرة، وارتوت صحراء عروقها بعد قحط وإجداب.. عجاف هي العيون التي لم تبصر تقاسيمكم وملامحكم الملائكيّة، وما فيها من إرث الأتقياء النجباء العارفين الذين آثروا كمال الانقطاع إلى الله تعالى.. طوبى لكَ أخي الشهيد، يا مَن هجر وباع الدنيا ومباهجها ومغرياتها بأغلى الأثمان.. لقد أيقنتَ بالبصيرة قبل البصر أنّها دار عبور وفناء، لا دار قرار وبقاء، وأنّ الحياة الأبديّة تُصنع من زاد الورع، وتُعجن بقطرات الإخلاص التامّ لله (عزّ وجلّ).. وشعاركَ الأعلى انتزاع الحياة بكرامة، وأمّا فقدها فذاك هو دينكَ وديدنكَ.. آمنتَ بأنّ الشهادة هي في زرع الدنيا لُباب.. والتأبّط بقشورها لأرخص وأضأل وأوهم الأسباب.. ووهبتَ روحكَ فداءً لدينكَ، والدفاع عن شعائر الحقّ والعدل والصواب، وعن شريعة نبيّنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) الأمجد، وأنّكَ ستنهل من يده المباركة كأسًا ريًّا رويًّا، الذي لا ظمأ بعده ولا اضمحلال، شُربة مجلّلة بالفضائل، بعيدًا عن الكؤوس الدنيوية فارغة الجوهر، كؤوس الذلّ والمهانة وأصناف الرذائل.. بوركتَ يا حبيب الله، ويا ظلّ الأولياء الصالحين على وجه الأرض، فحقًّا إنّ الدنيا ضاقت بكَ وبأمثالكَ الخلّص، فلهج لسانكَ بتسابيح الرحمة والمغفرة.. وتعلّق قلبكَ بالحقّ الأعظم الذي لا حقّ بعده ولا قبله، سرمديّ، أبديّ، أزليّ.. حتى بتّ ترى بعين القلب مرادكَ الأوحد في العرفان والعبادة، بل هو اللذة الحقيقية عندكَ، وهجرتَ دنياكَ وقلتَ لها: غرّي غيري فيا أخي الشهيد، ويا أمير الجنان.. الشمس خَجلى من أن تشرق أمام نوركَ وطهركَ.. والسطور وقفت عاجزة عن مدحكَ، فيا نجمًا تباهت به السماوات، وافتخرت به الأرضون.. طوبى لكَ مراتب الفردوس الأعلى، وهنيئًا لكَ يا بدر البدور فخر الشهادة..