رياض الزهراء العدد 183 الحشد المقدس
وَأَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِها
على الرغم من الخراب الذي خلّفته عصابات داعش الإرهابية، إلّا أنّ محمّدًا وهو مقاتل في الحشد الشعبي، وقف يستنشق الهواء الممزوج برائحة الموت والبارود في قرية من قرى (تلّعفر) التي هجرها أهلها خوفًا من بطش داعش. أخذ محمّد يجول ببصره في أرجاء المكان وهو يقف أمام عتبة دار على تلّة عالية، علّه يبصر بصيص أمل بعودة ساكني هذه القرية إلى بيوتهم، وبينما كان يتأمّل لاح له خيط رفيع مربوط بعود بين الصخور، فتتبّع هذا الخيط الممتدّ، الذي سار به إلى مكان ليس ببعيد، لكنّه أثار مخاوفه، فربّما يكون كمينًا من كمائن داعش. وعلى الرغم من حذره الشديد، لكنّه استمرّ في تتبّع الخيط الرفيع، حتى وصل إلى حفرة اخترقها الخيط باحترافيّة تحت التراب. وبدأ بالحفر حتى انتهى به المطاف إلى العثور على صندوق حديديّ مقفل بإحكام، لم يستطع التراجع، حاول جاهدًا فتح الصندوق بكثير من القلق والريبة التي غمرته، فاستطاع كسر القفل واكتشاف سرّ الصندوق المدفون. فقد وجد مبالغ مالية كبيرة، وكمّية من الخشلات الذهبية، ورسالة مكتوب فيها: على مَن يعثر على هذا الصندوق أن يصون الأمانة ويحفظها، فسيكون أمانة في عنقه إلى يوم القيامة إن كان يؤمن بالله ورسوله، ولا يصون الأمانة إلّا المؤمن، وهذا رقم هاتف للاتصال عليه لمَن يجد الصندوق. عاد محمّد حاملًا كنزًا ثمينًا على ظهره، وبينما هو يسير مثقلًا بما يحمل، تنهّد بألم وهو يشعر بثقل الأمانة. توجّه نحو قائده وأزاح عن ظهره هذا الثقل، وروى قصّة الصندوق للمقاتلين، ثم اتّصل على الرقم الموجود في الرسالة، فأجابه رجل حملت نبراته قلقًا ورعبًا كبيرين، تبيّن أنّه صاحب البيت الذي كان محمّد واقفًا بالقرب منه، والذي غادره هو وعائلته هاربين من بطش داعش، متّجهين نحو (تكريت). أخبره محمّد بأمر الصندوق، وطلب منه المجيء لاستلامه، لكنّ الرجل كان خائفًا بأن يكون هذا الموضوع كمينًا لاستدراجه وقتله، فخيّره محمّد بين استرداد حقّه، وبين تركه أمانةً عند المقاتلين، فهم لا يخالفون ما أمر الله به ورسوله. وفي اليوم الثاني اتّصل صاحب الصندوق بمحمّد، وطلب منه تأمين الطريق ليصل إليه، وما هي إلّا سويعات وإذا بالرجل وزوجته يصلان إلى بيتهما القديم الذي أصبح مقرًّا لمحمّد ورفاقه للقضاء على ما تبقّى من عصابات داعش الإرهابية، ففاضت عينا الزوجين بالدموع حين شاهدا حجم الخراب الذي حلّ بقريتهما، وأقبل الرجل يقبّل جبين محمّد المجاهد، الأمين صاحب القلب الطيّب، وأخبره بأنّ عصابات داعش قد أخذت أبناءه رهائن، ويطالبونه بدفع فدية كبيرة، فطأطأ محمّد رأسه متمتمًا مع نفسه: المعروف الصغير يقود إلى معروف أكبر، فالأمانة حينما رُدّت إلى أهلها، أصبحت خلاصًا لأبرياء من الموت. فاضت عينا محمّد من الخشوع، وخرّ ساجدًا شكرًا لله تعالى على كونه نجح في امتحان إرجاع الأمانات إلى أهلها؛ ليخلّد صورةً رائعةً تضاف إلى الصور التي خلّدها رفاقه من قبلُ وهم سائرون في طريق الشهادة.