رياض الزهراء العدد 183 منكم وإليكم
يَومُ الغَدِيرِ إِكمَالٌ لِلدِّينِ
تشكّل واقعة الغدير التي حدثت في الثامن عشر من شهر ذي الحجّة بعد حجّة الوداع في العام العاشر من الهجرة منعطفًا مهمًّا في التاريخ الإسلامي، وحدثًا استثنائيًا، حيث تمّ تنصيب الإمام عليّ (عليه السلام) خليفةً بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتمّت مبايعته على ذلك. رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿…الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي…﴾ (1)، قال أبو جعفر (عليه السلام): يقول الله عزّ وجلّ: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملتُ لكم الفرائض(2)، وهو تبليغ أمر ولاية الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). تحوي حادثة الغدير دلالات عديدة، سواء في الزمان أو في المكان، أو في مضامينها، ومن أبرز الدلالات ما يأتي: دلالة إكمال الدين: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) على أنّ الرسالة الإسلامية لا تكتمل إلّا بتعيين مَن يستلم مهامّ الإمامة والقيادة والخلافة بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وبذلك يكون إتمام النعمة الإلهية بنعمة الولاية: (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)، فإنّ نعمة الإسلام تبقى ناقصةً لا تكتمل من دون الإيمان بالولاية. وقد جاء إعلان الرسول (صلّى الله عليه وآله) بشكل واضح وصريح بالولاية للإمام عليّ (عليه السلام)، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، واخذل مَن خذله، وانصر مَن نصره(3)، فالمقصود من قوله (صلّى الله عليه وآله): "مَن كنتُ مَولاهُ فعليٌّ مَولاهُ" هو تعيين الإمام عليّ (عليه السلام) وتنصيبه خليفةً وقائدًا وإمامًا للناس من بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله). إنّ تفاصيل واقعة الغدير مثلما وردت عن الأئمة (عليهم السلام)، وما حدث من مبايعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة والخلافة يدلّ على أنّ المقصود بالولاية هنا هو الخلافة، حتى لا يكون هناك أيّ فراغ ديني في الأمة بعد رحيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّه (صلّى الله عليه وآله) مأمور من الله تعالى بتبليغ هذا الأمر للناس، وجاء قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة: 67)، وقوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (الأحزاب:6)، فبعد قراءة الرسول (صلّى الله عليه وآله ) هذه الآية على الناس، أخذ الإقرار منهم بأنّه أولى بهم من أنفسهم، وأبلغهم بولاية الإمام عليّ (عليه السلام)، وأنّه وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة. ........................... (1) المائدة: 3. (2) الكافي: ج1، ص 289. (3) بحار الأنوار : ج ٣٧، ص ١٢٦.