رياض الزهراء العدد 183 منكم وإليكم
أَرسِلِي إلى خَصمِكِ بَاقَةَ حُبٍّ
تمرّ الأيام وتكثر التجارب، ولكلّ منّا ماضيه وتجاربه الخاصّة، وهذا الماضي يؤثر سلبًا أو إيجابًا في حياة الشخص، فنجد أنّ البعض يحمل في نفسه آثار تجربة معيّنة، فينطلق الناجح من نقطة تحوّل يتّخذها مسارًا جديدًا للتطوّر والنجاح، ربّما بدأت بكلمة، أو موقف، أو لحظة تأمّل، وإذا بها تتحوّل إلى وسيلة تفتح أبواب النجاح في حياة الفرد، ولربّما تكون هذه النقطة عبارة عن مشكلة ما، أو خسارة كبيرة، أو صدمة قويّة، أو ظلم تعرّض له الشخص، لكن ويا للأسف نجد البعض يعدّها نهاية العالم، فتقضي على كلّ آماله وطموحاته، وما هي في الحقيقة إلّا طاقة سلبية تكمن في نفس هذا الشخص، فنجده كلّما تذكّر الماضي تغيّر لونه، وأقسم ألف مرّة على عدم المسامحة. لماذا نحمل الضغينة في حين يمكن المسامحة؟ أجل، فكلّ شخص يستطيع أن يسامح، وخير دليل على ذلك أنّنا نجد أنفسنا في بعض الأحيان نتحوّل إلى ما يشبه الملائكة، من حبّ، وعطاء، وتسامح، رغبةً في رضا الله تعالى، فبعض المتخاصمين يستثمرون بعض المناسبات للصفح والعفو، مثل أيام شهر رمضان المبارك، وأيام العيد، وزيارة الأربعين الحسينيّ المليونية التي تُقدّم فيها الخدمات لزائري المولى أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). اتركي الماضي وراءكِ، وخذي منه حفنة من التجارب والدروس التي تصل بكِ إلى برّ الأمان، فهذه الحياة قصيرة، وإنّما الدنيا مرحلة في حياة الإنسان، فلا تهدري وقتكِ بالحزن والتعب وحمل الضغينة، وإذا غضبتِ على شخص ما، فابعثي إليه بباقةٍ من الطاقة عن طريق روحكِ المتسامحة المُحبّة. وهذا التصرّف مأخوذ من سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، فممّا روى المبرّد وغيره عن سيرة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): "أنّ شاميًّا رآه راكبًا فجعل يلعنه، والحسن (عليه السلام) لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل الحسن (عليه السلام)، فسلّم عليه وضحك، فقال: أيّها الشيخ، أظنّكَ غريبًا، ولعلّكَ شبّهتَ، فلو استعتبتَنا أعتبناكَ، ولو سألتَنا أعطيناكَ، ولو استرشدتَنا أرشدناكَ، ولو استحملتَنا أحملناكَ، وإن كنتَ جائعًا أشبعناكَ، وإن كنتَ عريانًا كسوناكَ، وإن كنتَ محتاجًا أغنيناكَ، وإن كنتَ طريدًا آويناكَ، وإن كان لكَ حاجة قضيناها لكَ، فلو حرّكتَ رحلكَ إلينا وكنتَ ضيفنا إلى وقت ارتحالكَ، كان أعود عليكَ، لأنّ لنا موضعًا رحبًا، وجاهًا عريضًا، ومالًا كثيرًا، فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثمّ قال: أشهد أنّكَ خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنتَ أنتَ وأبوكَ أبغض خلق الله إليّ، [والآن أنتّ أحبّ خلق الله إليّ]، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقدًا لمحبّتهم"(1). ومن هذا المثال نسمو ونرتقي بأنفسنا، ونزكّيها من كلّ حقد وكراهية وضغينة. ....................................... الأنوار البهيّة: ص ٨٩.