رياض الزهراء العدد 183 الصحّة النفسية
الغَضَبُ وَطُرُقُ التَّحَكُّمِ بِهِ
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى: 37)، فالغضب انفعال وإحساس أوّلي وطبيعي يصدر عن كلّ البشر في بعض الأوقات، وإنّه انفعال ذو قيمة وظيفية من أجل البقاء على قيد الحياة، لكن الغضب غير المتحكّم فيه يمكن أن يؤثر في الصلاح النفسي والاجتماعي، وهو ذلك الشعور السيّئ للغاية الذي يتمكّن من الشخص فيشعره بعدم الارتياح والحزن، والرغبة في التصرّف بشكل عنيف تجاه الذي تسبّب في الإيذاء. وتختلف قوّة الغضب وشدّته من شخص إلى آخر وفق طبيعة الأفراد، ومن العوامل التي تسهم في جعل الأشخاص سريعي الغضب مثلما يُطلق عليه علماء النفس هو السماحة القليلة تجاه الإحباط وخيبات الأمل، العوامل الجينية، أو الفسيولوجية، والعوامل البيئية والخلفية العائلية .(1) يمكن تصنيف الغضب إلى أنواع تختلف وفقًا لمسبّباته، والحالة النفسية للإنسان، وهي: الغضب المبرّر، والعدواني، والانتقامي، والمسيء للذات، واللفظي، ونوبات الغضب المزاجيّة، وغضب جنون العظمة. ومن الأسباب التي تؤدّي إلى شعور الشخص بالغضب هو التعرّض لظروف ومواقف معيّنة، مثل انتهاك المعايير الأخلاقية، والتعرّض للإهانة، والتعرّض لمشاعر معيّنة كالحزن والقلق والخوف والخجل. ومن أبرز آثار الغضب على الإنسان هي الآثار الصحّية، مثل ارتفاع ضغط الدم، الإضرار بصحّة القلب والجهاز الهضمي، اضطراب النوم، الإصابة بالصداع، انخفاض كفاءة الجهاز المناعي، ازدياد المشكلات النفسية، وغيرها، إضافةً إلى التأثير في الحياة المهنية والعلاقات الاجتماعية. إنّ الإنسان حينما يغضب يتعطّل تفكيره، ويفقد قدرته على إصدار الأحكام الصحيحة، ويحدث في أثناء الغضب أن تقوم الغدّتان الكظريتان بإفراز هرمون الأدرينالين الذي يؤثر في الكبد، ويجعله يفرز كمّية أكبر من السكّر، ممّا يؤدّي إلى زيادة الطاقة في الجسم، ويجعله أقدر على بذل المجهود العضلي اللازم للدفاع عن النفس، مثلما أنّ زيادة الطاقة في الجسم في أثناء انفعال الغضب تجعل الإنسان أكثر استعدادًا وتهيّؤًا للاعتداء البدني على مَن يثير غضبه، لذلك كان التحكّم في انفعال الغضب مفيدًا من عدّة وجوه، فعلى الإنسان أن يحتفظ بقدرته على التفكير السليم وإصدار الأحكام الصحيحة، ويحتفظ باتّزانه البدني ممّا يؤدّي إلى كسب صداقة الناس ومحبّتهم. وأخيرًا، علينا أن نعرف أنّ الحياة مليئة بالإحباط والآلام والخسارة، وتصرّفات الآخرين قد تكون غير متوقّعة ومخيّبة للآمال، وأنّ هذا الحال لا يمكن تغييره، لكن يمكن تغيير الطريقة التي تؤثر فيها الأحداث علينا، إذ يمكن السيطرة على ردود الأفعال الغاضبة على المدى الطويل، ولنتذكر دائمًا قوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134). .......................... (1) نُقل بتصرّف عن موسوعة علم النفس: ص103.