سَفِينَةُ النَّجَاةِ

فهيمة رضا حسين/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 173

شهد إمامنا محمّد الباقر (عليه السلام) تلك الجموع الجائرة ماذا صنعت في واقعة الطفّ، وتلك العقول التي غرّتها الدنيا بزينتها، وأبعدتها عن إمام زمانها، وشاهد تلك الأمّة التي باعت نفسها بأبخس الأثمان، وتلك الأيدي التي امتدّت بوحشية نحو سيّد الشهداء (عليه السلام). جميع المشاكل إنّما تنشأ بسبب الجهل، وعاقبة ذلك سوف تظهر عاجلًا أم آجلًا، ولا بدّ من أن يتعلّم الإنسان ويعمل ليصل إلى أهداف سامية، فعن إمامنا الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "لو أُتيتُ بشاب من شباب الشيعة لا يتفقّه في الدين لأوجعتُه"(1)، فمصير الجاهل ومَن يبتعد عن العلم والتفقّه في الدين هو الهلاك. وعنه (عليه السلام): "إنّ طالب العلم يستغفر له كلّ شيء حتى الحيتان في البحر"(2). هكذا بيّن باقر العلوم (عليه السلام) فضيلة العلم، وحثّ الناس على التعلّم، وساعدت الأوضاع السياسية المضطربة في عهده (عليه السلام) على تأسيس جامعة تنتج جيلًا من العلماء الفقهاء؛ ليقضي على الجهل لأنّ الجهلاء يشكّلون نسبة كبيرة في المجتمع، وهم الذين يميلون مع كلّ ريح، ويتلوّنون بسهولة بحسب أهواء الظالمين والطغاة، وقد أراد الإمام الباقر (عليه السلام) أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقد أقبل الناس عليه؛ ليتفقّهوا في دينهم، ويسألوه عمّا يشغل بالهم. قام الإمام الباقر (عليه السلام) بتربية ثلّة من العلماء الفقهاء الذين نشدوا المعرفة، وأصبحوا فيما بعد أعلام الأمّة وثقاتها، فنشروا ما أخذوه عنه (عليه السلام)، ونحن اليوم أمام مسؤولية عظمى، ألا وهي تعلّم علوم أهل البيت (عليهم السلام) ونشرها، عندئذ ربّما نرى التغيير، ونكون صادقين حين نردّد: (اللهمّ عجّل لوليّكَ الفرج)(3). ملك الإمام الباقر (عليه السلام) قلوب الناس واستأثر بتعظيمهم وتقديرهم، فهو حجّة الله على خلقه، وقد أثارت منزلته الربّانية حفيظة الطغاة وغيظهم، فأجمعوا على اغتياله للتخلّص منه، فمضى شهيدًا كآبائه البررة، فالسلام عليه يوم وُلِد، ويوم استُشهد، ويوم يأخذ بأيدينا نحو الجنّة باسم الحسين (عليه السلام). ..................................... (1) الكافي: ج ١، ص ٧. (2) ميزان الحكمة: ج ٣، ص٢٠٧٣. (3) مِكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عجّل الله فرجه): ج1، ص383.