رياض الزهراء العدد 183 من على نهر العلقمي
مِيلادٌ جَدِيدٌ
لذاكرة الورد على شفتيْ الرجاء لغة الخريف الموشّى برائحة الربيع حين تذوب ألوان عنفوانهما في ماء الحنين.. تلك لوحة تختزل أحاسيس متناغمة، تتساقط على خلايا الروح رذاذًا ناعمًا، يؤجّج الشوق إلى الملكوت.. فلملمتُ أشلائي التي توضّأت برحمة الله، وحملتُ على كفّي قلبي الذي اغتسل بالأمل، وارتدى أوراق النسرين المعطّر بالتوبة.. تنقّب روحي في صمّ الصخور بحثًا عن نور الحقيقة، لعلّها تنهل من زمزم الحبّ الإلهي، وتُروى بكأسه الأوفى.. وعلى وقع التلبيات تعزف خفقات الفؤاد لحن الانعتاق، والهجرة إلى الله! تنتفض روحي مع خفق أجنحة الحمام المجلّلة بأمان ربّي المنساب على تلك الأرض الطاهرة؛ لتطالها كلّ الممكنات، وهناك انتثرت آلامي التي بُحّ صوتها، وبعثرت اختلاجاتي ملء فضاءات الياسمين.. وشاركتني الحمائم طقوس الولاء والرجاء، مثلما شاركت كلّ مَن تبرّكت أقدامه بأريج تلك البقعة المباركة.. سبحان الذي طافت له القلوب لتتجلبب بالولاء، وارتحلت إليه الدموع بين الخوف والرجاء.. وفي عمق مرآة تجسّد لغة ذوبان عبدٍ ذليل بين يدي ربّ جليل، يرتعش نغم العَبَرات، فتتبعثر أحرفها مبلّلةً صفحاتٍ من الذكرى، منسوجةً من غلائل الورد والرياحين، مطرّزةً بالدعاء والمناجاة.. في تلك الصورة تلاشى لون الخطايا، وتيبّست المعاصي وتساقطت، بعدها اخضرّت القلوب، وأزهرت ياسمين نديًّا بقطرات غفران جادت به غيوم عرفات.. وعندما تلمع حبّات اللؤلؤ في الهواء، تقرع السماء أجراس الرحمة؛ ليخرج الوَدق فيسقي بالتوبة والطهر مجامع القلوب، وكلّما تنطلق في الأذان معزوفة اللؤلؤ لتلامس من الروح الشغاف، تتيبّس ذاكرة الخريف في رمس أبجديةٍ غضّة.. ارتمست الروح في تحنان ربّها، وها هي تعود إلى إهابها بيضاء ناصعة، تحمل أكاليل من وردٍ ونسرين، لتنثرها على مثوى الأطهار قطراتٍ من الولاء..