رياض الزهراء العدد 183 ألم الجراح
بَهاءٌ بَينَ ثَنايا الجِراحِ
قلبي هنا، على أعتابكِ يا سامرّاء.. يغازل سرًّا كلّ ما فيكِ من جمال وجراح.. أحاول أن أخفيه، لكنّه يتناثر في أرجائكِ الروحانية.. وألمح في دهاليزكِ صفاء الرحمة الكبرى، وبسمات على أفقكِ تعلن الغفران.. وفي فجركِ تهلّل مقدّس هوى كالسحر بالخير مجتمعًا.. يطهّرني ويبشّرني.. يمزّق تلك الحجب التي غلّفت الفؤاد؛ لتسمو الروح في دعاء الشوق.. تبحث عن تباشير في ربيعكِ الدائم، وتستكشف سرّ سناكِ في عين السماء.. في الطريق إليكِ قربات ربّانية، فيها منتهى الفرح، وفيها منتهى الحزن.. واليوم في ترانيمكِ العسكريّة تثاءب الحزن، وأشرق وجه الفرح.. يضيء الحبّ في شراييني.. فقد كتب القدر بخطّه الملكوتي خطّة التاريخ لهزيمة الحقد في الروح.. وجُعِلت بعثرة أحلام الشياطين في هذا اليوم.. يوم تألّق نوره بين الأيام في الرسالة المحمّدية.. يوم مشهود على امتداد الزمن؛ لتكون آية الابتهال هي الفيصل في إحقاق كلمة الله العليا.. يوم تلاقى فيها عناد الإنسان وغروره، بفيض نور الإيمان الذي تمثّل بأصحاب الكساء.. ليستفيق العالم على فضيلة أخرى، وعدالة لا تُخفى، وعظمة الحقّ الذي أعلنه نبيّنا الكريم محمّد (صلّى الله عليه وآله) عن الخالق البديع.. رسمت طريق خلود الوجود المحمّدي.. أعلنت ثورة الذات على الملذّات، وردمت كلّ أفكار الجاهلية وأساطيرها.. أحيا ذلك اللقاء عروق الحياة، كأنّه استرداد للروح من قبضة الموت.. لتكون خطوات بيت الرسالة كوثرًا من المعين العذب.. فأثر خطوات الهادي البشير مع عليّ (عليهما السلام) ياقوت أخضر من عشب السماء؛ ليمتزج قدر النبيّ بقدره كامتزاج التراب؛ ليكون أبو تراب هو نفسه الطاهرة.. وحولهما نجمانِ صغيرانِ يسطعانِ بالجلال، ترافقهم خطوات سيّدة تعلّقت بأسدالها كلّ الكمالات التي تعيدنا من التيه إلى مستقرّ النجاة.. تزّفهم مواكب الملائكة على لحن البلابل.. يسيرون ليعيدوا إلى الوجود اتّزانه.. ذلك الوجود الذي امتزجت ذرّاته بوجودهم.. ليرى كلّ مَن وقعت عيناه عليهم الدنيا بعين، والآخرة بعين.. فعمود الضياء الساطع من ذلك الموكب المهيب لم يكن متّصلًا بالسماء فحسب، بل قد امتدّ في ثنايا الزمان، والمكان، والمادّة، والروح.. ليصل إلينا اليوم ونراه يشعّ بهاءً في ضريحكِ المقدّس يا سامرّاء.. ماثلًا أمامنا.. يعود ليكتب من جديد نهاية صراع الباطل مع الحقّ بأن جُعِلت لعنة الله على الكاذبين.. واليوم نجثو في محرابكِ المقدّس، مبهورين بأنواركِ.. ونحمد الله على أنّنا ما نزال ننعم بين أعطافكِ الهانئة..