الهدى والهِداية في القرآن الكريمِ

نرجس مهدي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 438

الهداية لغةً عبارة عن الدلالة، سواء كانت إلى الحقّ أو إلى الباطل، واستخدامها القرآني يميل إلى الحقّ أكثر من الباطل. أمّا معناها الاصطلاحي، فيتمثّل بكونها دلالة للحقّ فقط، وتكون إمّا بإرائة الطريق أو الإيصال إلى المطلوب. أمّا مصاديقها فتشمل: أولًا: الهداية المادّية: كقوله تعالى: )وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النحل:15ـ ١٦)، فظاهر الآية يدلّ على الهداية المادّية المتمثّلة بالاهتداء بالنجم، أمّا باطنها فدالّ على الهداية المعنوية، فالمراد بالنجم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والعلامات هم الأئمة الكرام (عليهم السلام)(١). ثانيًا: الهداية المعنوية: وأصلها معنوي، كقوله تعالى: )وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا...( (الأنبياء:73)، فهذا النمط من الهداية يقرّب العبد إلى الله تعالى عن طريق إتيان الواجبات وترك المحرّمات. مَن هم الهداة في القرآن الكريم؟ أولًا: الله جلّ جلاله: )...وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( (النور:46)، فالله سبحانه هو أصل الهداية لجميع الكائنات، وهداية الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام) تمثّل امتدادًا طوليًا لهدايته تعالى، وهدايته تكون وَفق معايير تتماشى مع حكمته المطلقة وعدله، فالله تعالى يهدي العبد حالما يتحرّك نحوه، كقوله تعالى: )...وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ( (الرعد:27)، وفي حالة ابتعاد العبد عنه تعالى، يُسلب منه التوفيق، ويصبح أسيرًا للشيطان الرجيم. الثاني: القرآن الكريم: كقوله تعالى: )إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...( (الإسراء:9)، فالقرآن الكريم يهدي الأمم بصورة مستمرّة حتى يوم القيامة بدليل صيغة فعله المضارعة. الثالث: النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): )...وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( (الشورى:52). الرابع: الأئمة الأطهار (عليهم السلام): وعلى رأسهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد قال تعالى: )...إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ( (الرعد:7). الخامس: العلماء الربّانيون: كقوله تعالى: )وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُون( (الأعراف:159). أمّا أقسام الهداية، فهي: 1ـ الهداية التكوينية العامّة: وهذا القسم شامل لكلّ المخلوقات؛ لأنّها خُلقت لهدف وحكمة إلهية، والله تعالى هداها بالهداية التكوينية لكي تؤدّي دورها في الحياة، ومصاديقها قوله تعالى: )قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ((طه:50). 2ـ الهداية التكوينية الخاصّة: وهي مخصوصة بالإنسان فقط، وتمثّل هداية الفطرة التي يمكن تسميتها بالهداية الابتدائية، ومصداقها قول إبراهيم الخليل (عليه السلام): )الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ( (الشعراء:78). 3ـ الهداية العقلية: ومصداقها قوله تعالى: )وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ( (البلد:10)، فالعقل الراجح هو الذي يميّز بين الهدى والضلالة. 4ـ الهداية التشريعية: وهي مُناطة بالأنبياء (عليهم السلام) حصرًا، وهم يهدون الناس عن طريق الشرائع والكتب السماوية المنزّلة عليهم، وجملة مصاديق الهداية التشريعية وردت في قوله تعالى: )ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ○ فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰۤ أَن تَزَكَّىٰ○ وَأَهۡدِیَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ( (النازعات:17ـ١٩)، ففرعون هُدي بالهداية التكوينية العامّة والخاصّة، والعقلية، ومن ثمّ جاء دور موسى (عليه السلام) بالهداية التشريعية، لكنّه لم يستجب لنداء عقله، ولم يهتدِ. ....................................................... (1) تفسير العيّاشي: ج٢، ص٢٥٦.