رياض الزهراء العدد 200 ألم الجراح
ندوب يمحوها الآباء
مثلما كانت لحظاتها المليئة بالقرارات والصراعات، تحدّثت إليّ، لكنّها لم تترك لي دفء صوتها المعتاد.. تحدّثت عن ألمها في يومها هذا، ففقدت كلّ سطوتها وتوقّفت عندها لحظات الفرح والسلام، فغرقت في ذكرياتها الأليمة مطوّلًا، فهناك شيء ما يتمزّق في قرارتها القدسية، وخدش يطفو على ثناياها، قد حفرته أنياب الحقد اللامعة بالمكر.. فسلّمتُ نفسي لصوتها القادم من آهات الأحزان الذي هزّ طمأنينتي، ونزع بقايا روحي نزعًا فاجعًا؛ لتكمل ألفاظها بجُمل كانت حروفها تقطّع نياط القلب، وتفتح أبوابًا لجراحها المخفيّة؛ ليكون في حديثها نبرة يمتدّ صداها إلى آخر نظرة على مأذنتيها الذهبيتين.. لتتغيّر في لحظة ملامحي المشتاقة إلى الأبد، وترفض اختيار العودة إلى ما كانت عليه قبل تلك الجريمة النكراء، وينسى ثغري بسمته، فعادت شفتاي مع شفتي سامرّاء تسترجع لغة ألم كانت مبهمة بالنسبة إليها، حيث كانت لا تتهجّى إلّا النور والسرور في حلكة التيه والخوف، فتخرج النفوس من بين أنوار صباحاتها مفعمة بالحبّ، ونوايا تتذوّقها شهدًا مشحونًا باللهفة، لكنّ القدر الغادر أخذها حيث الواقع المتهالك، فتنهّدت من ندوبها العميقة بتعجّب لما أصابها من شرّ لا تعرف كنهه.. أرهقها الترحال من الوريد إلى الوريد المطرّز بالجراح؛ لكنّها سامرّاء.. قصّة الشجاعة التي توكّأت على خيوط شمس الحقّ؛ لتهبها لحظة الإشراق نحو ممرّ مطمئنّ.. أرض استيقظت في قبضة حضن ثائر مغضب، امتزج فيها الطين والماء والدم.. جمرة مملوءة باللهفة ومكتنزة بالسجايا، تفتّح على أسيل صوتها نبض الأزاهر الخجلى، تأوي إلى مرتعها، فتورق حولها دفئًا محاطًا بعرش الحنين، يحمل ترياقًا، يجيء مهلّلًا، يحمل خشوع الأولياء..