أمنيات ليلى
أفاقت ليلى منهكة، تتقلّب على سريرها بعد ليلة مأساوية قضتها، تكاد جفونها تسقط من ثقل النعاس، انتظرت المنبّه أن يدقّ رأس الساعة (...) حتى تشعر أنّ اليوم قد بدأ، فما يزال صوت الطبيب يطنّ في أذنها: عاقر..عاقر.. شعرت أنّ نياط قلبها قد انقطعت، ومات الأمل في روحها، تتلهّف نفسها على تلك الأمومة المؤجّلة، فتفجّرت مكامن الأحاسيس في صدرها. أفاقت وتوجّهت مسرعة نحو زوجها أحمد قائلة: هناك مستشفىً في المدينة، ولابدّ من أن يكون هناك علاج. صمت مريب انتاب أحمد وهو ينظر إلى زوجته، لم يكن هو الآخر صافي الذهن، تشابكت الأفكار في رأسه حتى ترك الفراش وقضى ليلته في الحديقة، فردّ بنبرة غاضبة: ليلى، انتهى الأمر. لكنّ ليلى لم تكفّ عن إصرارها وإلحاحها ليذهبا إلى المستشفى في محاولة أخيرة، فانصاع أمام توسّلاتها وسيل دموعها التي لم تتوقّف. كانت تشعر بأنّها ممزّقة إلى أجزاء مبعثرة ما بين الحلم والحقيقة، لكنّها لم تكفّ عن تلاوة آيات من القرآن الكريم والتسبيح وقلبها يرتجف، وعند استكمال الفحوصات وظهور النتيجة، زفر أحمد زفرة حارقة ككلّ مرّة وقال: ألم أقل لكِ ليس هناك أمل. ضاق صدرها، واندلعت شرارة منه: نعم، قلتَ لي، لكنّ قلبي لا يكاد يصدّق أنّني لن أكون أمًّا، فما الذي ينقصني؟ يا الله، مرّة واحدة، جنين واحد. أحمد: عند الله لا تضيع الأمنيّات. بعد المحاولات العديدة والأحزان، كان لابدّ من سفرة قريبة لتعود ليلى إلى طبيعتها، فقرّر أحمد أن يذهبا إلى العمرة، فبيت الله الحرام مَن دخله كان آمنًا من الهموم والأحزان ومطمئنًّا. فقال أحمد لليلى: قطعتُ تذكرتين لزيارة بيت الله الحرام في عمرة عاجلة، أين حقيبة السفر؟ ليلى: ماذا، سفر؟! أحمد: نعم، نزور بيت الله الحرام؛ لنحظى باستجابة الدعاء وتحقيق أحلامنا. شعرت ليلى أنّ الله تعالى أرسل لها هذه الدعوة، فغمرتها السعادة، وبينما هي تطوف بالبيت، أحسّت هناك أمنيّة تطوف معها أيضًا، فنسيت حزنها وطلبت من الله حُسن الضيافة في داره، وفي آخر ساعة من أداء مناسك العمرة، شعرت أنّ حرارة المكان تخيّم على صدرها، فسقطت مغشيًّا عليها، فتجمّعت النساء حولها، واحدة ترشّ الماء على وجهها وأخرى تضع قطعة من السكّر في فمها، فأقبل زوجها ونقلها إلى مركز الطبابة. وبعد إجراء الإسعافات الأولية وأخذ عيّنة من الدم، ظهرت النتيجة: حامل! يا الله ما أكرمكَ، تعالت أصوات الفرح والبكاء وأهازيج من الردهة، لقد تحقّق الحلم في ضيافة الله سبحانه، فلا يخيب الأمل بالله مثلما كانت ليلى تردّد. عادت ليلى إلى ديارها تحمل الحلم، ومرّة أخرى قصدت زيارة بيت الله الحرام وصغيرها يطوف معها، وهي تقصّ عليه حكاية الأمل بالله وحُسن ضيافته تعالى.