رياض الزهراء العدد 200 بريد القراء
المدرسة الأولى للأبناء
لقد أذهل عقولنا هذا العصر بما يحمله من ابتلاءات ومنزلقات حادّة وعواصف فكرية خطيرة أرهقت جيلًا كاملًا، والسواد الأعظم قد اصطبغ بهذه الصبغة المهلكة، وقد نجت من هذه المنزلقات ثلّة قليلة بجهد جهيد بفضل التوفيق الربّاني، حيث ارتمت أفواج من هذا الجيل في أحضان الثقافة المفروضة والنهج المُعدّ والمخطّط له، وأصبح على الآباء عبء ثقيل، مفادّه تحصيل الحصانة ضدّ كلّ ما يجول في بيئة أبنائهم، وعليهم أن يعدّوا العُدّة لكي لا تسرقهم مواقع التواصل الاجتماعي والـ(سوشيال ميديا)؛ لتودي بهم إلى مكان سحيق في الحياة، وفساد المعتقد، وهوان الدين، فلابدّ من تهيئة البيت بما يصلح لتلك المَهمّة، فالأبوان وغيرهما من الموجودين في هذه البيئة الصغيرة ـ الأسرة ـ هم بمنزلة المصنع للفرد الذي سينطلق إلى البيئة الكبيرة، أي المجتمع، وإذا ما أحسن الأبوان صنع الدرع المانع قبل أن يطلقا فردًا مستعدًّا لتلقّي سهام العدوّ بصدر حُشي إيمانًا صادقًا، ومحصّنًا بعلاقة وطيدة مع أهل البيت (عليهم السلام)، ورقابة ربّانية تمنع عنه الخروقات الشيطانية، فلن تتمكّن أيّ جهة من اختراق عقيدته، ويتحقّق ذلك عندما يكون الأبوان أسوةً حَسَنة للأبناء، فإذا أراد الأب أن يكون ابنه صادقًا، فعليه أن يكون هو صادق في كلّ حال، وكذلك بالنسبة إلى الفرائض والفضائل الأخرى كالصلاة والصوم والأمانة، وسائر ما يقوّم دينه، وإذا أراد أن يكون ابنه مفكّرًا وباحثًا، فلابدّ من أن يسمح في بيته بالنقاش ضمن قواعد يفهم بها الابن الحقّ من الباطل، وفي ريع الأمّ أيضًا، فلا حرص لفتاة على الدين إذا كانت أمّها ساهية غير ملتزمة بالحجاب والصلاة وصدق الحديث وحُسن الخُلق. فليعلم الآباء أنّهم المدرسة الأولى للأبناء، وأنّ لهم النصيب الأعظم في ما ستؤول إليه شخصية أبنائهم، وأنّ الحثّ على اتّباع نهج أهل البيت (عليهم السلام) يؤتي أُكله كلّ حين، ويجعل لهم دار أمان ومصدر نور في العروج بهم وبأبنائهم إلى طريق النجاة والجنّة، ولا ننسى ما للدعاء من أثر عظيم في تغيير المسار إلى الأفضل وحصول التوفيق، مثلما أنّ له الأثر في نفسية الأبناء؛ لما له من دلالات عاطفية عندهم.