قبس من السعادة

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 273

كنتُ منهمكة في العمل، وغارقة في أمواج من الأوراق المتناثرة أمامي، إذ لا أكاد أضع ورقة على جانب المكتب، إلّا وأبدأ بالأخرى، وفي الحقيقة أعدّ هذا الأمر من نِعم الله سبحانه وجزيل عطاياه، وفي خضمّ هذه الأجواء الضاغطة، خطرت على بالي جملة (قبس من السعادة)، لا أعرف من أين، ولماذا، وكيف اخترقت كلّ الحشود من الأفكار والأعمال المتراكمة في ذهني، لكن كلّ ما أعرفه هو أنّ شعورًا من الراحة انتابني، كأنّ غيثًا باردًا انهمر من السماء وغلّف كلّ أوقاتي الملتهبة، فحوّلها إلى بخار لطيف تصاعد في الأعالي. مَن منّا لم يسأل نفسه، أو لم يتمّ سؤاله عن مشاعره هل هو سعيد أم لا؟ وما الأمور أو المواقف التي نُقشت حروفًا لا تُمحى في ذاكرة الزمن الجميل الذي يكون دائمًا مصحوبًا بالآهات عند ذكره، ومرارة الألم حين يقول الشخص: ذهب ذاك الزمن ولن يعود؟ هنا نقول: يا تُرى ما الذي اختلف؟ وهل فعلًا ذهب ذلك الزمن وولّى ولن يعود؟ وهل السعادة مرتبطة بزمن معيّن ومكان بذاته؟ أم أنّها موجودة في كلّ مكان وزمان، ومع كلّ مراحل العمر، لكنّها مقرونة بمقياس وميزان نعتقد أنّه واحد لا يختلف دائمًا وأبدًا، وهو مرتبط بحساب كمّية الحبّ والعشق الإلهي، والتسليم لأمر الله سبحانه وتعالى، فنضع في إحدى كفّتي الميزان الحبّ والتسليم، وفي الكفّة الأخرى مشاعر الراحة والاطمئنان والسعادة، وكلّما رجحت كفّة التسليم لله سبحانه وتعالى وثقلت في الميزان، فسنجد نسبة السعادة تعلو وتثقل أكثر وأكثر، وتنشر أهازيج الفرح والتفاؤل والأمل في الأجواء على كلّ المحيط. وإذا عدنا قليلًا إلى العنوان (قبس من السعادة)، فتلك الشعلة من السعادة لن تخفى على أحد، فهي أولًا ستنير الطريق لمَن يحملها، ويسعى نورها أمامه ليحميه من التعثّر، ويجلب له كلّ جميل، مثلما أنّ حامله يعين الآخرين، ويكون ملاذًا للتائهين والمتعبين حين يتّخذونه قدوة في حياتهم، فربّما يعاني الأمرّين من صعوبات الحياة، لكنّه في الوقت ذاته لا يتخلّى عن إسعاد مَن يستطيع إسعاده، فهو يغذّي النفوس بالتفاؤل وحبّ الخير، ويتحرّك تحت غطاء حُسن الظنّ الواقي من كلّ شرور الدنيا وما فيها، ويشحذ الهمّة بقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "تفاءلوا بالخير تجدوه"(1)، فيحسن الظنّ؛ ليعين نفسه ومجتمعه. ......................... (1) ميزان الحكمة: ج3، ص2353.