العبادة والتوفيق الإلهي
زينب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا فاطمة، ما الذي يجلسكِ وحيدة؟ فاطمة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حيّاكِ الله يا زينب، إنّي بخير والشكر لله، ولكن هناك أمر قد حيّرني؟ زينب: خيرًا إن شاء الله، ما هو؟ فاطمة: أتساءل: لماذا كلّما تقرّبتُ من ربّ العالمين، أجدني بعيدة؟ فكلّما عملتُ جاهدة، أجد نفسي مبتعدة لأتفه الأسباب؟ زينب: لأنّكِ يا أختاه ربّما تتقرّبين منه تعالى بمثل ما تسعين لأمور الدنيا وتتقرّبين منها. فاطمة: وكيف ذلك، وماذا تقصدين؟ زينب: أقصد أنّكِ مقتنعة بأنّكِ حصلتِ على رزقكِ بعد التعب والدراسة والجهد، وحصلتِ على المكانة المرموقة في العمل، وبالطريقة نفسها تريدين عبادة الله الواحد، وشعرتِ أنّكِ تعبدين الله تعالى بقوتكِ وإرادتكِ، وهنا يشعر الإنسان بالزهو من حيث لا يعلم، ويصيبه الغرور، فعندما يصلّي صلاة الليل فهو يحسب أنّه فاق العالمين بالعبادة، وكان حقًّا على الله أن يستجيب دعاءه ويكرمه دون غيره. فاطمة: أليس كّل مَن زادت عبادته وطاعته، زاد قربًا من الله تعالى؟ زينب: نعم؛ بالتأكيد، ولكن يجب أن يشعر الإنسان أنّه عبد لله تعالى، لا حول لديه ولا قوة، والأصحّ أن ينوي كلّ حركة له تعالى، ويسأل نفسه بعد الانتهاء من أيّ عمل: هل كان هذا العمل خالصًا لله تعالى؟ فاطمة: لكن كيف أصل إلى هذه المرحلة؟ زينب: أنا أسالكِ: كيف تشعرين بالعبودية وأنتِ تشعرين بالقوة والعزّة وأنّكِ حصلتِ على هذه المكانة بجهدكِ وتعبكِ ودراستكِ؟! أليس التوفيق من ربّ العالمين؟ فهو مَن أوصلكِ إلى هذا النجاح؛ لذلك يجب أن نستشعر فضله علينا في محبّة الوالدين لنا، ونجاحنا، وتفوّقنا، وغيرها من الأمور، فكلّها بفضل الله تعالى. فاطمة: ولكن في بعض الأحيان عندما أشرع في عبادة ما، كالصلاة وقراءة الدعاء مثلًا، فلا يستمرّ عندي الحضور القلبي، وسرعان ما تتشتّت أفكاري وتزداد الخواطر، وأبحر في لجّة الأفكار والظروف المحيطة بي، وهذا يتعبني جدًا، فلا أستشعر القبول الإلهي لهذا العمل البسيط. زينب: ويا للأسف الشديد يظنّ الإنسان أنّه إذا حصل على الحضور القلبي، فقد حصل على المطلوب في العبادة، والصحيح أنّ العبودية منشؤها نفسي، فمَن شعر في نفسه الذلّ لله تعالى، كأن يرى نفسه عاصيًا ومقصّرًا، فينكسر قلبه، وتعتريه حالة من الحزن، ويشعر أنّه عبد للمالك، والعبد لا يملك شيئًا، وتحصل هذه الحالة بخاصّة عندما يموت شخص عزيز على قلوبنا، فنشعر حينها كم أنّ الإنسان ضعيف، وغير قادر على إدارة أموره من دون الرعاية الربّانية. فاطمة: شكرًا لكِ يا زينب، لقد نوّرتِ قلبي، فنوّر الله قلبكِ.