السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) رمز خالد للمعرفة والفضيلة في العالم

م. د. خديجة حسن القصير/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 213

تعدّ السيّدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، لقد أدّت دورًا بارزًا في تشكيل القيم والمبادئ الإسلامية، وأثّرت بشكل عميق في المجتمع الإسلامي عبر العصور. تكمن أهمّية هذه الدراسة في كون السيّدة الزهراء (عليها السلام) مثالًا للتقوى والإيمان، ونشرت تعاليم الإسلام، حيث كانت تُروى عنها العديد من الأحاديث التي تتعلّق بالعبادات والأخلاق، وهذا التأثير الديني أرسى أسس الفهم الإسلامي الصحيح وأثرى التراث الديني، فضلًا عن الدور الاجتماعي الذي شغلته، والذي برز بشكل جلّي عبر دفاعها عن حقوقها وحقوق المجتمع، ومواقفها القوية في مواجهة الظلم، كخطابها في قضية (فدك) الذي يعكس وعيها الاجتماعي والسياسي، فضلًا عن الدور التعليمي الذي مارسته إذ نقلت تعاليم والدها (صلى الله عليه وآله)، وأثّرت في الأجيال اللاحقة، ممّا شجّع النساء على طلب العلم والمشاركة في الحياة العامة، وأسهم في تعزيز دور المرأة في المجتمع الإسلامي.تهدف هذه الدراسة إلى معرفة دور الزهراء (عليها السلام) في أحداث عصرها، وتأثير علمها وأفكارها في المجتمع الإسلامي في القرون الأولى، وما خلّفه من بصمات للأجيال اللاحقة لعصرها. قُسّمت هذه الدراسة إلى محورين: تطرّقت في المحور الأول إلى شخصية الزهراء (عليها السلام) عن طريق التعريف بسيرتها العطرة عبر نبذة من حياتها ونشأتها، أمّا في المحور الثاني، فتطرّقت فيه إلى الإرث والتأثير عبر القرون عن طريق التطرّق إلى مصادر معرفتها، وكيف استطاعت التأثير في الأجيال، وكيف استمرّت معرفتها بالتأثير في النساء والرجال. المحور الأول: شخصية الزهراء (عليها السلام) السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تنتمي إلى أسرة قرشية، حيث والدها هو النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) ووالدتها السيّدة خديجة بنت خويلد (رضوان الله عليها)، كُنّيت بأمّ الحسن. وُلدت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في مكّة المكرّمة وقد اختُلف في تاريخ ولادتها، وأرجحها أنّها وُلدت في العشرين من جمادى الآخرة في السنة الخامسة للبعثة النبوية الشريفة، وهذا ما اتّفقت عليه أغلب المصادر الشيعية(1)، وتتّفق المصادر على أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) نشأت وترعرت في بيت النبوّة، وعاشت طفولة مليئة بالتحدّيات بسبب الدعوة الإسلامية التي قُوبلت بمعارضة شديدة من قِبل قبيلة قريش، ممّا يعكس دورها بوصفها إحدى الشخصيات المركزية في التاريخ الإسلامي(2). تزوّجت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأنجبت أربعة أولاد: الحسن، والحسين، وزينب، وأمّ كلثوم (عليهم السلام)، وكان زواجهما مثالًا للتعاون والمودّة، إذ دعم كلّ منهما الآخر في الأوقات الصعبة(3)، وتحمّلت الزهراء(عليها السلام) أنواع الابتلاءات بالتزامن مع بدايات حياتها الزوجية، فمثلما تذكر الروايات أنّها ذات مرّة لم تجد طعامًا لمدّة ثلاثة أيام، وأنّ الحسنين (عليهما السلام) قد اضطربا علیها من شدّة الجوع، وكانت تتقاسم الوظائف المنزلية مع خادمتها فضّة التي اختارها الرسول (صلى الله عليه وآله) لمساعدتها(4). أمّا بالنسبة إلى وفاتها (عليها السلام)، فاتّفقت المصادر على أنّها استُشهدت، ولم تكن وفاةً طبيعيةً، وأنّ سبب استشهادها هي الإصابات التي رافقت أحداث ما بعد شهادة أبيها (صلى الله عليه وآله) المتمثّلة بالسقيفة وماتلاها من أحداث غيّرت مجريات التاريخ الإسلامي بأجمعه، وهذه الإصابات قد ألزمتها الفراش حتى ماتت شهيدة(5). والمشهور عند الشيعة أنّها استُشهدت في الثالث من جمادى الآخرة معتمدين في ذلك على رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وهناك روایة أخری عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّها استُشهدت في الثالث عشر من جمادى الأولى، إذ قال (عليه السلام): "إنّ فاطمة مکثت بعد الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعین يوماً"(6). أمّا عن مراسيم تجهيزها ودفنها (سلام الله عليها)، فتورد المصادر التاريخية أنّ الإمام عليّ (عليه السلام) قام بتغسيلها بمساعدة خادمتها فضّة وأسماء بنت عميس، وصلّى عليها، وتمّ تجهيز جثمانها الطاهر وتشييعها ودفنها ليلًا بعيدًا عن الأنظار(7) ، وبقي محلّ القبر مخفيًّا على الناس، لكن هناك عدّة احتمالات لمواقع دفنها، فبعضهم يورد أنّها دُفنت في بيتها(8) ، وبعضهم يورد أنّها دُفنت بين قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنبره، أي الروضة(9) ، أو بناحية من مقبرة البقيع(10). المحور الثاني: إرث الزهراء (عليها السلام) المعرفي وتأثيرها عبر القرون تركت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إرثًا معرفيًا عميقًا، وتأثيرًا مستدامًا عبر القرون، تظهر تأثيراته في مختلف المجالات، وسنحاول في هذا المحور بيان التأثير المعرفي الذي تركته السيّدة الزهراء (عليها السلام) في المجالات الآتية: 1- المستوى الروحي والأخلاقي: جسّدت السيّدة الزهراء (عليها السلام) قيم الصبر، والتقوى، والعدل، ممّا جعلها قدوةً للعالمين، فهي (عليها السلام) على الرغم من الأحزان التي مرّت بها، كشهادة والدها، كانت تتحلّى بالصبر والسكينة، ممّا جعلها قدوة للمرأة في التحمّل والتحلّي بالأخلاق الحميدة، كذلك فإنّ تعليمها للأخلاق، ونشرها تعاليم الكرم والصدق، انعكس على طبيعة الأسرة الفاطمية التي تقتدي بتعاليمها في تربية الأبناء، والسعي المتواصل إلى غرس قيم الإخلاص والوفاء بين ظهرانيها(11). 2- المستوى الاجتماعي والسياسي: كان للسيّدة الزهراء (عليها السلام) الحضور الفاعل، بل المهمّ في أحداث عصرها، بخاصّة موضوع اختيار الخليفة بعد شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومؤامرة السقيفة، وما جرى فيها من أحداث، وما ترتّب عليها من مخرجات أثّرت في الواقع السياسي للأمة الإسلامية على مدى القرون اللاحقة، وبرز هذا الدور للسيّدة الزهراء (عليها السلام) عبر مواجهتها لأبي بكر، وخطابها في المسجد، ودفاعها عن حقّها المغتصب في الميراث، وهذا الأمر فسح المجال للمرأة لكي تكون فاعلة في المجتمع ومدافعة عن حقوقها المسلوبة(12)، من ثم يمكن للمرأة أن تكون قوية، مستقلّة، ومؤثّرة في المجتمع، فقد ألهمت السيّدة الزهراء (عليها السلام) العديد من النساء للمطالبة بحقوقهنَّ. 3- المستوى التشريعي: إنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) خازنة العلم الإلهي، فكانت تفسّر آيات القرآن الكريم، وتعلّم الناس الأحكام الشرعية، ممّا ساعدهم على فهم الدين بشكل أعمق، فضلًا عن نقلها العديد من الأحاديث الشريفة عن والدها النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ممّا أسهم في تشكيل التراث النبويّ، وساعد في رفع مستوى الوعي والمعرفة بين النساء(13). هذا جزء مقتضب من دور الزهراء (عليها السلام) في ميادين الحياة المختلفة للأسرة المسلمة، وقد جاء في الرواية الشريفة: "وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتِها دارت القرونُ الأولى" الواردة في كتاب الأمالي للشيخ الطوسى (قدس)(14) والمنقولة عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) والتي تشير إلى منزلة السيّدة الزهراء (عليها السلام) العظيمة عند الله تعالى، تلك المنزلة التي تجاوزت الزمان والمكان، بحيث إنّ جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) أمروا أممهم بمعرفتها (عليها السلام) ، وكلّفوهم بعرفان المقامات الفاطمية، أي أنّ أعمال جميع الأمم وتكاليفهم الشرعية منوطة بمعرفة الزهراء (عليها السلام) (15)، فهي الحجّة، والقدوة، والأنموذج الأمثل، وهي رمز الفضيلة والعدالة، جعلها الله تعالى سيّدة على جميع النساء عبر العصور، فتعاليمها وسيرتها لا تزالان تلهمان النساء إلى يومنا هذا، ممّا يعني استمرار هذا الإرث في مواكبة تطلّعات النساء المعاصرات. الخلاصة _ تمثّل السيّدة الزهراء (عليها السلام) رمزًا خالدًا للمعرفة والفضيلة في العالم. _ أدّت (عليها السلام) دورًا حاسمًا في نشر العلم ونقل المعارف الإلهية، فكانت ذات تأثير عميق في معاصريها والأجيال اللاحقة. _ نهضت (عليها السلام) بالدفاع عن إمام زمانها مطالبة بحقوقها وحقوق المظلومين في المجتمع. _ واجهت (عليها السلام) ظلم السلطة الحاكمة، وعبرّت عن سخطها تجاه السياسة آنذاك. _ تركت (عليها السلام) إرثًا معرفيًا واجتماعيًا مستمرًّا، لا يزال يلهم الأجيال الراهنة والمستقبلية. _ إنّها (عليها السلام) مرجع مهمّ لأفراد المجتمع في جميع شؤونهم الحياتية. ..................... (1)الکليني، الکافي: ج 1، ص458؛ الطوسي، مصباح المتهجّد: ص 793؛ الطبري، دلائل الإمامة: ج 79، ص 134؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: ص 143؛ الطبرسي، إعلام الوری: ج1، ص 290؛ ابن‌ شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص 132. (2) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2، ص 215. (3) الكليني، الكافي: ج1، ص 345. (4) الطبري، دلائل الإمامة: ص 140 - 142. (5) الطبري، دلائل الإمامة: ص 134. (6) الکلینی، الکافی: ج1، ص241. (7) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص 132 . (8) المفيد، الاختصاص: ص 185 . (9) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص 139. (10) الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 572. (11) الجبرين، عبد الله بن عبد الرحمن، فاطمة الزهراء (عليها السلام) : دراسة في شخصيتها ودورها، دار الأثر ، 2001: ص45-47 بتصرّف. (12) السقّاف، حسن، الزهراء (عليها السلام) : القدوة والمثال، دار الفجر، 2005: ص22-24 بتصرّف. (13) الطباطبائي، فاطمة الزهراء ، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1995: ص78-95 . (14) ص668 (15) الكجوري، الشيخ محمد باقر، الخصائص الفاطمية: ج1، ص224.